وبينما تحتل قضايا التغير المناخي مكانة كبيرة في جدول أعمال المجتمع الدولي، وتشهد عديد من البلدان النامية تأثيرات سلبية جسيمة نتيجة لتغيرات المناخ. تعتبر بنوك التنمية من الجهات الرئيسية الفاعلة التي تلعب دوراً حيوياً في دعم مشاريع العمل المناخي في هذه البلدان.
وبنوك التنمية مؤسسات مالية دولية تهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلدان النامية. وفي سياق التغيرات المناخية، أصبح لديها دور كبير في تقديم الدعم المالي والتقني للمشاريع التي تسعى إلى التكيف مع التأثيرات البيئية والحد من الانبعاثات الضارة.
تعتبر بنوك التنمية جسراً حيوياً بين السياسات العالمية لمكافحة التغير المناخي والاحتياجات الفعلية على أرض الواقع في البلدان النامية. من خلال تقديم التمويل والخبرة التقنية، وتساعد هذه البنوك في تنفيذ مشاريع مستدامة تهدف إلى حماية البيئة وتعزيز استدامة المجتمعات.
- Advertisement -
تعهدات جديدة
وخلال أعمال مؤتمر COP28 الذي تستضيفه دولة الإمارات العربية المتحدة، أعلنت بنوك التنمية متعددة الأطراف عن تعهد مشترك بتقديم أكثر من 180 مليار دولار لدعم مبادرات تمويل المناخ.
كما أعلن البنك الدولي عن حزمة تمويل طموحة على هامش مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ “COP28″، لمساعدة البلدان النامية على الصمود بشكل أفضل في مواجهة تداعيات تغير المناخ من أجل خلق عالم أفضل للجميع.
يسعى البنك الدولي إلى بذل المزيد من الجهود لمكافحة تغير المناخ والقيام بذلك بشكل أسرع، حيث خصص 45 بالمئة من تمويله السنوي للمشروعات المرتبطة بالمناخ للسنة المالية التي تبدأ من 1 يوليو 2024 إلى 30 يونيو 2025.
- Advertisement -
دعم البلدان النامية
في هذا السياق، تشير الخبيرة المصرفية، سهر الدماطي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إلى أهمية الدور الذي تقوم به بنوك التنمية الإقليمية والدولية المختلفة مع البلدان النامية فيما يخص المشاريع المناخية، وهو دور متعاظم ضمن مساري التنمية والعمل المناخي في تلك البلدان التي تعاني من ارتدادات تغير المناخ على اقتصاداتها بشكل مباشر وكبير، رغم المساهمة المحدودة لها في الانبعاثات.
- Advertisement -
وتشكل بنوك التنمية تشكل عاملاً محورياً في جهود مكافحة التغير المناخي وتعزيز التنمية المستدامة في البلدان النامية. تعكس جهودها التزاماً دولياً بالتصدي لتحديات التغير المناخي وتحقيق التوازن بين التطور الاقتصادي والحفاظ على البيئة للأجيال الحالية والمستقبلية.
في تقدير الدماطي، فإن عاملين أساسيين يُعول فيهما على دور بنوك التنمية ومساهماتها في هذا السياق؛ العامل الأول يرتبط بدعم المشاريع -التي تُحددها البلدان ضمن أولوياتها في خدمة مشاريع التنمية والمناخ، ولتلبية المساهمات المحددة وطنياً- خاصة فيما يتعلق بالمشاريع المرتبطة بالصناعة، للحد من التلوث الناتج عن المصانع الكبرى، لا سيما الصناعات الأكثر تلويثاً.
وتضيف: “تحتاج تلك الدول التكنولوجيا اللازمة من أجل مواجهة التلوث، ومن بنيها آلات وماكينات باهظة التكلفة وخلافه (..)”، موضحة في الوقت نفسه أن من بين تلك المشاريع ما يرتبط بالمشاريع المتعلقة بالاقتصاد الأخضر، ومن بينها خاصة التوسع في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرهما من الطاقات المتجددة، من أجل المساعدة في خفض الانبعاثات وتقليل التلوث.
ويضاف إلى ذلك مشاريع أخرى عملاقة مثل السيارات الكهربائية على سبيل المثال، وجميعها مشاريع على رادار عديد من البلدان؛ في سياق التنمية والمناخ (باعتبارهما خطين متلازمين). وتوضح الدماطي أن تلك النوعية من المشاريع الطموحة عادة ما تكون باهظة التكلفة، وبالتالي البلدان النامية بحاجة إلى تمويلات طويلة الأجل، وهو ما يُعول عليه من قبل بنوك التنمية والتي تقدم مزايا خاصة، بما في ذلك مساعدة البلدان في تطوير تلك المشاريع.
- في 2022، بلغت إجمالي التمويلات التي قدمتها بنوك التنمية متعددة الأطراف لصالح الاقتصادات منخفضة ومتوسطة الدخل 60.7 مليار دولار، بزيادة نحو 50% عن العام 2021.
- 38 مليار دولار (63% من الإجمالي) ذهب إلى تمويل مشاريع التخفيف. و22.7 مليار دولار (37%) لدعم التكيف.
- تتطلع البلدان النامية إلى زيادة وتيرة وتمويلات ومشاريع التكيف.
العامل الثاني الذي يغفله الكثيرون -بحسب ما تؤكده الدماطي- هو ما يتعلق بالتنمية الثقافية، وهو دور لا ينفصل عن الدور المرتبط بدعم التحول إلى الاقتصاد الأخضر والمشاريع الكبرى، لا سيما أن حملات التوعية والمبادرات المخصصة في سياق دعم وتوعية الناس بالعمل المناخي وسبل الحفاظ على البيئة هو دور محوري وليس نظرياً يُمكن البناء عليه للمساهمة في الحفاظ على البيئة وتوضيح المفاهيم الخاصة بها، وبالتالي المساعدة بشكل أو بآخر في جهود مواجهة التغيرات المناخية.
تتنوع المشاريع التي تدعمها بنوك التنمية في مجال العمل المناخي بشكل واسع، بدءًا من مشاريع الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح، وصولاً إلى تحسين الاستدامة البيئية في قطاعات مختلفة مثل الزراعة والصناعة. كما تسعى هذه المشاريع إلى توفير فرص عمل مستدامة وتعزيز التنمية الاقتصادية في المجتمعات المحلية.
بالإضافة إلى ذلك، تلعب بنوك التنمية دوراً حيوياً في تعزيز التوعية وبناء القدرات في مجال التغير المناخي. من خلال تقديم الدورات التدريبية ونقل المعرفة، يساهمون في تمكين البلدان النامية لتطوير استراتيجيات فعالة لمواجهة التحديات البيئية.
ويشار إلى أنه خلال أعمال COP28، أصدرت بنوك التنمية بياناً مشتركاً (وقع عليه مجموعة بنك التنمية الإفريقي، وبنك الاستثمار الأوروبي، وبنك التنمية الآسيوي، والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، وبنك التنمية التابع لمجلس أوروبا، والبنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، ومجموعة بنك التنمية للبلدان الأميركية، والبنك الإسلامي للتنمية، والبنك الدولي)، أكدت خلاله الالتزام بالعمل العالمي المتضافر، بما في ذلك زيادة التمويل المشترك ومشاركة القطاع الخاص لمعالجة تغير المناخ.
المناخ والتنمية
ويعول على هذه الأدوار التي تقوم بها بنوك التنمية في إحداث الفارق في سياق التنمية بالبلدان النامية، بالتعاون بينها مع الحكومات، وهو ما تحدثت بشأنه الوزيرة المصرية في الندوة الأخيرة، والتي ذكرت أن:
- الرابط المشترك بين المبادرات المرتبطة بالمناخ هو مشاركة أصحاب المصلحة المتعددين، بدءاً من الحكومات التي لديها قاعدة تدفعها عندما يتعلق الأمر بالسياسات واللوائح، وكذلك بنوك التنمية متعددة الجنسيات فيما يتعلق الأمر بالمضي قدماً في هذا السياق.
- يجب أن تنشأ من الأهداف المناخية الخاصة بكل دولة، على اعتبار أن كل دولة لديها مساهماتها المحددة وطنيًا ويجب ترجمتها إلى مشاريع.
- تلك المشاريع لا تشكل فقط مجرد مشاريع مناخية، إنما هي أيضاً مشاريع تنموية (..) ذلك أن المناخ والتنمية يسيران جنباً إلى جنب “ولا ينبغي لنا أن ننظر إلى المناخ باعتباره عبئًا”.
- هذا هو ما سعت مصر لتأكيده، وبالتعاون مع جميع شركاء التنمية، بما في ذلك بنك التنمية الأفريقي، والبنك الدولي، والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، وبنك الاستثمار الأوروبي، من أجل خلق تكامل بين ما يمكن لكل شريك القيام به لمساعدتنا في تنفيذ هذا المشروع، وهذا يشمل التمويل والمساعدة الفنية وغير ذلك.
المناخ والبنوك المحلية
وجنباً إلى جنب ودور بنوك التنمية، فإن ثمة أدوار واسعة للبنوك المحلية في العمل المناخي. فبينما تركز بنوك التنمية على المشاريع والاستثمارات الكبرى، تقوم البنوك المحلية بتقديم الدعم المالي والخدمات المصرفية للشركات والأفراد على المستوى المحلي. يشمل ذلك تمويل المشاريع المحلية الصغيرة والمتوسطة، وتوفير الخدمات المصرفية لمشاريع التنمية المستدامة.
بالتالي، يكمل دور البنوك المحلية دور بنوك التنمية في تحفيز التنمية المستدامة والتكيف مع تحديات التغير المناخي على مستوى أقل وحدات.
وفي هذا السياق، يقول الخبير المصرفي المصري، محمد عبدالعال، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة والتلوث البيئي يدفعنا إلى البحث عن تقليل البصمة الكربونية في جميع المجالات. خفض البصمة الكربونية فيما يتعلق بالجهاز المصرفي له شق بيئي وشق مالي؛ لأن الإنفاق على مشروعات تسهم في الحد من البصمة الكربونية يحمل القطاع المصرفي مسؤوليات جديدة.
ويضرب عبدالعال، مثلا على ذلك بأن يتوجه الإنفاق إلى المشروعات الصديقة للبيئية أو ما يسمى بالاستثمار الأخضر، وإصدارات القروض تتوجه إلى التمويل الأخضر أو المشروعات التي تتوافق مع خطة التكييف البيئي، وهذه المشروعات تكون ذات فائدة منخفضة إلى حد ما لكن اشتراطاتها عالية وتحااج من الأجهزة المصرفية لضم كوادر جديدة تتفهم لمشروعات المناخ وكيف يمكن أن تراقبها.
ويشدد على أن المراقبة هنا مطلوبة بشكل كبير للتأكد من صرف القرض فيما هو مخصص له، وهذا بالطبع يتطلب لجانا فنية للبحث عن كيفية تحقيق تخفيض البصمة الكربونية، مع نشر الوعي للجهاز المصرفي وعملائه، وأيضًا يجب على الأجهزة المصرفية مد خطوط التعاون مع المؤسسات المهتمة بتحسين مؤشرات المناخ ومقاومة الانبعاث الحراري وخفض البصمة الكربونية.
ويوضح أن أكثر من 80 بالمئة من الانبعاثات سببها الدول الصناعية المتقدمة؛ لذا يتعين على أجهزة هذه الدول المصرفية وضع خطة لتمويل الدول النامية للتكييف مع تنفيذ خطة التكييف والحفاظ على البيئة.