ويواصل الريال الإيراني انخفاضه إلى مستويات قياسية، فقد كان سعره قبل يوم من إطلاق الهجمات الصاروخية على إسرائيل بنهاية سبتمبر الماضي في حدود 610 آلاف ريال للدولار، فيما يدور حالياً عند مستويات الـ 640 ألف ريال في السوق المفتوحة. وتستعد إسرائيل للرد على الهجوم الإيراني بعشرات الصواريخ الباليستية هذا الشهر، والذي قالت طهران إنه جاء ردا على مقتل حسن نصر الله، زعيم حزب الله المدعوم من إيران، وقائد كبير في الحرس الثوري الإيراني في غارات جوية على بيروت. وأبلغ كبار المسؤولين الإسرائيليين الولايات المتحدة أنهم يخططون لاستهداف مواقع عسكرية. كما أدى توقع وقوع هجوم إسرائيلي إلى فوضى في حركة السفر، حيث ألغت شركات الطيران رحلاتها، مما أدى إلى ارتفاع أسعار التذاكر وإطالة أوقات السفر نتيجة لإعادة توجيه الرحلات، بحسب تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، والذي أشار إلى أن: العديد من الإيرانيين يشعرون الآن بقلق عميق إزاء احتمال اندلاع حرب محتملة بين إيران وإسرائيل، التي تعهدت برد “دقيق وقاتل” بعد تصعيد الأعمال العدائية منذ تبادل سابق لإطلاق النار في أبريل. في حين يصر الموالون للنظام على أن إيران لا تخشى الحرب وترحب بالمواجهة العسكرية مع إسرائيل، يخشى كثيرون من أن اقتصاد البلاد المتضرر من العقوبات لا يستطيع تحمل دورة أخرى من التصعيد. وفي الأسبوع الماضي، ألغت شركة الطيران الإيرانية الرائدة “إيران إير” رحلاتها إلى وجهات أوروبية بعد أن فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على شركة الطيران بسبب ما قالت إنه نقل صواريخ باليستية إلى روسيا لاستخدامها ضد أوكرانيا، وهو ما تنفيه إيران. وفي سياق متصل، نقلت الصحيفة عن محلل الاقتصاد السياسي سعيد ليلاز، قوله: “إن الحكومة كانت تدير العرض والطلب في سوق العملة للحد من التقلبات الكبيرة”. “من المؤكد أن هناك أجواء نفسية تؤثر على البلاد، لكن هذه الاضطرابات الجديدة لن تثني إيران عن مواصلة سياساتها الإقليمية أو الرد على أي هجوم إسرائيلي”. “إن الاقتصاد الإيراني معتاد على التعامل مع الأزمات السياسية”. تداعيات صعبة في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، يقول المدير التنفيذي للمركز العربي للبحوث والدراسات، هاني سليمان: سيكون هناك تأثير صعب وقوي للهجوم الإسرائيلي الوشيك على طهران، على الاقتصاد الإيراني. جزء من هذا التأثير وهذه التداعيات الاقتصادية مرتبط أصلاً بطبيعة بنك الأهداف الإسرائيلي وطبيعة الضربة الإسرائيلية والأهداف المرصودة. الأسئلة المثارة الآن في هذا السياق: هل ستكون الهجمات على المنشآت النووية الإيرانية أو المؤسسات المرتبطة بها، أم ستكون على منشأة عسكرية تقليدية مرتبطة بالحرس الثوري والنظام؟ أم ستكون أهدافاً على بعض المنشآت الاستراتيجية والحيوية المرتبطة بالنفط والموانئ المرتبطة بمؤسسات اقتصادية؟ ويشير إلى أنه في حالة استهداف المؤسسات النووية أو المنشآت المرتبطة بها “قد تكون هناك تداعيات اقتصادية أخطر جداً على إيران ومعظمها ربما يجر إلى الحرب الواسعة والشاملة، والتي تشهد تخصيص عديد من الموارد لمواجهة إسرائيل في تلك الحرب، مما سيؤدي إلى إعادة توجيه كافة الموارد لحشد القدرات العسكرية والاستقطابات الاقتصادية، وبما لذلك من تداعيات اقتصادية. أما فيما يتعلق بالمنشآت العسكرية التقليدية التابعة للحرس الثوري أو منشآت القيادة والتخطيط أو بعض المصانع المتعلقة بإنتاج الدرونز أو الصواريخ، يرى سليمان أن التداعيات الاقتصادية لاستهداف تلك المنشآت قد تكون متوسطة إلى محدودة، ولن تكون واسعة بشكل كبير، نظراً لطبيعة الأهداف وطبيعة التحركات الإيرانية التي قد تحافظ على بقاء الصراع عند هذا المستوى دون توسع. أما فيما يتعلق باستهداف إسرائيل للمنشآت النفطية رغم رأي الولايات المتحدة الأميركية والوسطاء الذين يحاولون منع ذلك، سواء فيما يخص استهداف منشآت تصدير النفط أو بعض الأهداف الاقتصادية ذات الطبيعة الحيوية، مثل الشبكات الكهربائية أو الموانئ، يضيف: أعتقد بأن لهذا الأمر تداعيات اقتصادية خطيرة جداً؛ خاصة فيما يتعلق بتأثيره على مستوى المعيشة والعوائد النفطية. ويوضح أن تضرر عوائد النفط يؤثر على المجتمع الإيراني، خصوصاً أن إيران حققت نموًا بأكثر من 5 بالمئة في 2023 بفضل هذه العوائد. وبالتالي تأثير ذلك سيكون ملموسًا في القطاعات الاقتصادية، مما قد يزيد من معاناة الشعب الإيراني في ظل الأوضاع الاقتصادية المتوترة خلال السنوات الماضية، والتي أسهمت في إشعال موجات من الاحتجاجات والغضب في المجتمع الإيراني. عدم يقين ويشير تقرير للمجلس الأطلسي، إلى أنه لا تزال حالة عدم اليقين تخيم على إيران مع تعهد المسؤولين الإسرائيليين بالرد على الهجوم الصاروخي الباليستي الذي شنته طهران على إسرائيل في وقت سابق من هذا الشهر. ومع ذلك، في حين تركز معظم التحليلات على الأهداف الجيوسياسية لإيران في المنطقة، كان هناك قدر أقل من النقاش حول القيود الاقتصادية الشديدة التي يواجهها النظام الإيراني. وهذه التحديات في صميم أولويات إيران خلال قمة البريكس الأولى المنعقدة حالياً في روسيا. ويشير المجلس إلى أن: الاقتصاد الإيراني ضعيف الأداء – ومن بين زملائها من أعضاء مجموعة البريكس، فإن إيران لديها أحد أضعف الاقتصادات. تحوم معدلات التضخم حول 34 بالمئة.. ووفقًا لتقارير وسائل الإعلام المحلية، ارتفعت أسعار الخبز بنسبة 200 بالمئة خلال العام الماضي، في حين شهدت الضروريات الأساسية الأخرى، مثل المياه والإسكان، ارتفاعات حادة في الأسعار. منذ العقوبات الاقتصادية الأميركية الأولية، ظل نمو الناتج المحلي الإجمالي الإيراني أقل باستمرار من أعلى مستوياته في العام 2011. تشير توقعات صندوق النقد الدولي إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للبلاد سيستمر في التخلف عن تلك الذروة حتى العام 2029. مصانع الغاز والطاقة الإيرانية صدئة وعفا عليها الزمن، وتعمل بنسبة 70 بالمئة فقط من طاقتها. وعدم قدرة البلاد على التحديث هو نتيجة مباشرة لانسحاب الشركات الغربية من البلاد على مدى العقد الماضي. أثار نقص الطاقة في إيران بالفعل غضبًا عامًا كبيرًا ، حيث تؤدي الانقطاعات المتكررة للكهرباء إلى تعطيل الحياة اليومية، وتوقف العمليات الصناعية، وإجبار الحكومة على إغلاق المكاتب جزئيًا خلال فترات ذروة الطلب. وهذا بالإضافة إلى المخاوف المستمرة من الفساد وسوء الإدارة . أزمة الاقتصاد الإيراني ويتحدث المدير التنفيذي للمركز العربي للبحوث والدراسات، عن جانب من الأزمات التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني، موضحاً أن: مستوى التضخم في الداخل الإيراني بلغ مستويات قياسية. العملة شهدت تراجعاً غير مسبوق في تاريخ إيران الحديث. ترتفع معدلات الفقر والبطالة بشكل ملحوظ. اتخذت الحكومة الإيرانية سابقاً إجراءات تمثلت في رفع الدعم عن بعض القطاعات،.. هذه الإجراءات زادت من معاناة الشعب الإيراني، خاصة في ظل تراجع الإيرادات. يأتي ذلك في وقت يخصص فيه النظام الإيراني عديداً من موارده لتصدير الثورة وخوض معارك على جبهات مختلفة، من خلال دعم الميليشيات وتفضيل الإنفاق على الخارج على حساب الداخل بشكل كبير. ويشير سليمان إلى أن استمرار المواجهات مع إسرائيل وتوسيع الصراع وفتح جبهات جديدة سيؤدي إلى زيادة معاناة الشعب الإيراني، وقد يتسبب في تراجع العملة أكثر في ظل الأوضاع المتوترة. البطالة والتضخم بدوره، يقول الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية بالمركز المصري للدراسات، علي عاطف، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: يعاني الاقتصاد الإيراني حالياً من أزمات عدة، أبرزها البطالة والتضخم وتدهور قيمة العملة الوطنية إلى أدنى مستوياتها في التاريخ. إن قيام إسرائيل بهجمات تستهدف قطاعات حيوية في البلاد، مثل منشآت الطاقة وغيرها، سوف يعمق بشكل كبير الحالة الاقتصادية المتردية. ستتأثر عائدات النفط الإيرانية بشكل جوهري وقد تصل إلى الصفر، نظرًا لاعتماد الحكومة عليها بشكل رئيسي كمصدر أساسي للدخل القومي. بالإضافة إلى ذلك، فإن مهاجمة مرافق البنية التحتية الإيرانية، التي تعاني أيضًا من تدهور ملحوظ، سوف يزيد من حدة الأزمة الاجتماعية في إيران. ويلفت إلى أن كل هذه المخاطر قد تؤدي إلى إثارة الشارع السياسي الإيراني الداخلي، وربما ينتج عنها اندلاع احتجاجات واسعة النطاق في المحافظات الإيرانية (..)، مشدداً على أن التداعيات الاقتصادية والاجتماعية لمثل هذه الهجمات الإسرائيلية قد تهدد بقاء النظام الإيراني من الداخل. تحسب للتداعيات الاقتصادية كما يشدد الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية، محمد عبادي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” على أنه: في كل خطواتها، تتحسب إيران للتداعيات الاقتصادية. إيران، التي تواجه أوضاعًا اقتصادية صعبة منذ انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي، تعيش اليوم واقعًا مركبًا. على سبيل المثال، إذا نظرنا إلى عامل انهيار العملة، نجد أن الدولار الواحد في العام 2017، قبل عودة العقوبات، كان يساوي حوالي 5,000 تومان، أما اليوم، فالدولار الواحد يساوي 64,000 تومان، مما يعكس تأثيرًا كبيرًا على التضخم والبطالة. ويقول إن إيران التي واجهت انتفاضة شعبية كبرى في نوفمبر 2019 بعد رفع أسعار الوقود، تخشى اليوم من هجمات إسرائيلية قد تضرب منشآتها النفطية، وهو ما سيكون له تداعيات بالغة الأهمية على الأوضاع المعيشية داخل إيران، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء وحاجة إيران المتزايدة للتدفئة. ويضيف: كذلك، تمتلك إيران إرثاً سلبياً للغاية فيما يتعلق بحركة الطيران أثناء الاشتباكات. يمكن العودة إلى حادثة إسقاط الطائرة الأوكرانية في أعقاب الرد الإيراني على اغتيال الجنرال قاسم سليماني في يناير 2020، وهو ما تخشى إيران تكراره اليوم نتيجة الترقب لهجوم إسرائيلي واسع داخل البلاد. لذلك، تفرض إيران محاذير وإجراءات على حركة الطيران الداخلي.