تواجه الصناعة صعوبة في التعامل مع الارتفاع الكبير في مطالبات الممتلكات الناجمة عن الكوارث الطبيعية، وهو ما أدى إلى ارتفاع تكلفة التغطية وإجبار شركات التأمين على الانسحاب من بعض المناطق المعرضة للخطر، وفق تقرير لصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية.
وقالت شركة فيريسك، إحدى شركات نمذجة المخاطر الكبيرة التي تستخدم نماذجها في قطاع التأمين وإعادة التأمين، يوم الثلاثاءالماضي، إن متوسط الخسارة المتوقعة للقطاع وصل إلى مستوى مرتفع جديد.
- Advertisement -
وأفاد رئيس الشركة، روب نيوبولد، بأن السنوات الأربع الصعبة الماضية التي مرت على الصناعة “لا ينبغي أن ننظر إليها باعتبارها حالات شاذة”.
وأضاف: “نماذجنا تظهر أن صناعة التأمين يجب أن تكون مستعدة لتحمل خسائر سنوية إجمالية مؤمنة من الكوارث الطبيعية تصل إلى 151 مليار دولار في المتوسط، وأكثر من ذلك بكثير في سنوات الخسارة الكبيرة”. ويشمل الرقم خسائر المحاصيل؛ وبدون تلك الخسائر فإن التوقعات تبلغ 119 مليار دولار”.
بحسب نيوبولد، فإن فيريسك تأمل في أن تتمكن الصناعة من استخدام التوقعات “للاستعداد لسنوات من الخسائر الكبيرة … وأن تكون في وضع أفضل لإدارة هذه السنوات الصعبة دون المخاطرة بقدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية”.
وقالت المجموعة إن ارتفاع الخسائر يرجع إلى عدة أسباب، أبرزت تأثير تغير المناخ، وارتفاع التعرض مع نمو السكان في المناطق المعرضة للخطر، والتضخم في تكاليف إعادة البناء.
وأضافت فيريسك: “اكتشاف إشارة تغير المناخ في ارتفاع الخسائر العالمية كان تحديًا كبيرًا، ويرجع ذلك جزئيًا إلى عوامل أخرى في البيانات مثل التضخم المتغير والتقلب الطبيعي في الأحداث المناخية”، مشددة في تقرير لها على أن تغير المناخ هو العامل الثانوي حاليا في زيادة الخسائر، لكنها توقعت أن يصبح هذا التأثير أكثر أهمية خلال العقود القليلة المقبلة.
- Advertisement -
بحسب فيريسك في تقريرها:
- “يؤثر تغير المناخ على جميع المخاطر الجوية، بما في ذلك الأعاصير المدارية، لكن تأثيره أكثر فورية ووضوحا في حرائق الغابات والفيضانات والعواصف الرعدية الشديدة”.
- إن التأثيرات المترتبة على حرائق الغابات والفيضانات مفهومة بشكل جيد نسبيًا، في حين أن العلاقة مع العواصف الرعدية الشديدة أقل إثباتًا من الناحية العلمية.”
مبدأ تجميع المخاطر
- Advertisement -
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين في شركة “ACY”، الدكتور نضال الشعار، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن شركات التأمين اعتمدت تاريخيًا على مبدأ تجميع المخاطر من خلال إشراك أكبر عدد ممكن من المؤمن لهم، ثم توزيع الأعباء المالية على الجميع، موضحاً أن هذا التوازن أصبح من الصعب تحقيقه مع تزايد المخاطر الناتجة عن التغير المناخي، ما يشكل تحديًا كبيرًا أمام شركات التأمين.
وأضاف الشعار أن جميع شركات التأمين تعتمد على نماذج متشابهة في عملية تحديد المخاطر والتنبؤ بالأضرار، وذلك باستخدام بيانات تاريخية لتحليلها والتنبؤ بالمخاطر. إلا أنه أشار إلى أن هذه التنبؤات لم تعد كافية لمواجهة المخاطر المرتبطة بالتغير المناخي، نظرًا لتزايد تكرارها وشدتها. وأكد أن الاعتماد على بيانات الماضي لم يعد مجديًا في التنبؤ بالأحداث المستقبلية المرتبطة بهذا التغير.
وفيما يخص الحلول المحتملة، أوضح الشعار أن رفع رسوم التأمين لا يمثل حلاً عمليًا، لأنه سيؤدي إلى خلل في توزيع الأعباء المالية، وقد يسهم في خروج عديد من الأفراد والشركات من النظام التأميني، مما سيترتب عليه أضرار اجتماعية واقتصادية كبيرة. وشدد على ضرورة تطوير شركات التأمين لنماذجها وأدواتها التحليلية للتنبؤ بالمخاطر المستقبلية، بهدف تعزيز قدرتها على مواجهة التحديات المفاجئة.
وأشار الشعار إلى أن من بين هذه الأدوات، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يلعب دورًا محوريًا في تحسين دقة التنبؤ بالمخاطر المناخية من حيث الموقع والتوقيت، مما يسهم في تسعير التأمين بشكل أكثر عدالة. كما دعا إلى تقديم هيكل تحفيزي جديد يشجع العملاء على تحسين مقاومة ممتلكاتهم للأضرار المحتملة، مثل تحسين المنازل ضد السيول والانجرافات، مما يخلق شراكة جديدة بين شركات التأمين والمشتركين.
واختتم الشعار حديثه بالتأكيد على أهمية تدخل الحكومات لحماية سوق التأمين. وأوضح أن هذا التدخل قد يتم من خلال تخصيص موارد لدعم شركات التأمين في حال وقوع أضرار تفوق قدرتها، أو عبر تشكيل هيئات لإعادة التأمين، أو تأسيس صناديق مالية تدير الأعباء الناجمة عن التغير المناخي، حيث تكون شركات التأمين شريكًا أساسيًا في هذه الجهود.
تحدٍ كبير
بدوره، قال مدير مركز رؤية للدراسات، بلال شعيب، إن
- التغيرات المناخية تمثل تحديًا كبيرًا للأصول والشركات والأفراد، وتتحمل شركات التأمين جزءًا من التكلفة الناجمة عن هذه الكوارث.
- الخسائر التي شهدتها الولايات المتحدة مؤخرًا على سبيل المثال، تعكس رقمًا ضخمًا ناتجًا عن الكوارث الطبيعية.. على الرغم من هذه الخسائر، لا يمكن الحكم على أن الشركة قد تعرضت لخسائر صافية أو لا، لأن الأمر يعتمد على عدة عوامل، منها الأقساط المحصلة من العملاء والتعويضات التي تدفعها الشركة لتعويض المتضررين.
- في حالة حدوث خسائر كبيرة، يتأثر معدل الخسارة بتكرر عمليات التعويض، مما يخلق سلسلة مترابطة من التأثيرات على شركات التأمين.
وأكد أن حجم الخسائر الذي شهدته ولايتا كاليفورنيا وتكساس على وجه الخصوص، يعكس التأثير الكبير للتغيرات المناخية على الاقتصاد الأميركي.
وأضاف شعيب أن التأثير المالي لهذه الكوارث سيكون هائلًا على المراكز المالية لشركات التأمين، متوقعًا أن تشهد الفترة المقبلة عمليات إعادة تأمين مكثفة. وأوضح أن الشركات، لا سيما الصغيرة منها، ستلجأ إلى إعادة التأمين لدى شركات أكبر وأكثر قوة، ما يسمح بتوزيع الخسائر بشكل أفضل وتقليل الضغوط المالية على الشركات. وأكد أن هذا الإجراء سيعزز قدرة شركات التأمين على الوفاء بالتزاماتها وتعويض المتضررين من الكوارث الطبيعية بشكل فعال.
الكوارث الطبيعية
وأكد الخبير الاقتصادي ياسين أحمد، أن شركات التأمين تتأثر بشكل كبير بالكوارث الطبيعية الناتجة عن التغيرات المناخية، موضحاً أنه عند حدوث زلزال أو أي كارثة طبيعية، يطالب الناس شركات التأمين بتعويضات مالية، مما يؤثر على استقرار هذه الشركات ويؤدي إلى خسائر مالية قد تكون كبيرة. كما أشار إلى أن شروط بوليصة التأمين قد تتغير نتيجة لهذه الأحداث، وبالتالي ترتفع أسعار التأمين.
وأضاف أن التأثيرات الأكثر وضوحًا على شركات التأمين تتلخص في عدة نقاط.
- أولاً، زيادة حجم التعويضات المدفوعة للعملاء بعد حدوث الكوارث.
- ثانيًا، تحمل خسائر غير متوقعة، حيث إن العديد من الشركات لا تكون قد أخذت في الحسبان تلك المخاطر بشكل كافٍ، مما قد يؤدي إلى خسائر مالية كبيرة وربما الإفلاس.
- ثالثًا، د زيادة في الطلب على التأمين بعد وقوع الكوارث، حيث يدرك الناس بشكل أكبر أهمية الحماية من المخاطر.
- شركات التأمين غالبًا ما تلجأ إلى رفع أقساط التأمين لتعويض الخسائر الناجمة عن هذه الكوارث.
وأخيرًا، أوضح أن التغيرات المناخية تدفع شركات التأمين إلى إعادة تقييم المخاطر وتحسين نماذجها، بهدف استيعاب احتمالية حدوث كوارث في المستقبل وكيفية التعامل معها بشكل فعال.
واختتم الخبير الاقتصادي حديثه بالإشارة إلى أن ما يقلق شركات التأمين بشكل خاص هو حجم الأضرار التي وقعت في عام 2023 نتيجة العواصف والكوارث، والتي كلفت قطاع التأمين نحو 100 مليار دولار على مدار السنوات الأربع الماضية.