وشهدت الأسواق الأميركية يوم الإثنين أسوأ هبوط لها منذ عام 2022، حيث انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بأكثر من 6 في المئة، ووصل مؤشر التقلب في بورصة شيكاغو (VIX)، المعروف باسم “مقياس الخوف” في وول ستريت، إلى أعلى مستوى له في عامين، كما شهد مؤشر نيكاي 225 الياباني أسوأ يوم له منذ عام 1987، حيث انخفض بنسبة 12 في المئة.
ويرى الخبراء أن الأسهم الأميركية بدأت تتعافى منذ تعاملات منتصف نهار الثلاثاء عندما ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنحو 1.6 في المئة، ولكن وبحسب تقرير أعدته “فورتشن” واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، فإن المستثمرين العاديين ورغم انتهاء حالة التخبّط لا يزالون يشعرون بالخوف، حيث يعتبر مارك هاكيت وهو رئيس أبحاث الاستثمار في نايشون وايد، أن الأسواق مرت هذا الأسبوع بفترة صعبة للغاية، مشدداً على أن الانخفاض الذي حصل لم يكن مبرراً بالبيانات بل هو شكل من أشكال السوق التي تحركها المشاعر.
- Advertisement -
ما الذي يجب فعله في سوق تحركها المشاعر؟
تقول المدافعة عن المستهلك في شركة التمويل CreditKarma كورتني أليف، إنه من المهم أن يتذكر الفرد أن الاستثمار في سوق الأوراق المالية هو لعبة طويلة، حيث ستكون هناك تقلبات، لذا يجب الحذر من رد الفعل الانفعالي والابتعاد عن سحب الأموال عند أول علامة على الانخفاض.
في حين رأى كالب سيلفر، رئيس تحرير موقع Investopedia، الذي يقدم محتوىً تعليمياً عن الاستثمار والتمويل، أنه بالنسبة للمستثمرين العاديين، فإن التقلب هو الثمن الذي يدفعونه للاستثمار في سوق الأوراق المالية، مشيراً إلى أنه من المزعج للغاية، رؤية انخفاضات كبيرة في السوق، بنسبة 2 إلى 3 في المئة، ولكن على المستثمرين التذكر أن السوق تقع في تصحيح قد تصل نسبته إلى عشرة في المئة، أو أكثر، بمعدل مرة واحدة في السنة تقريباً، ولكنها تعود للمتوسط، الذي يمثل عائداً يتراوح بين ثمانية إلى عشرة في المئة في السنة، وذلك منذ الخمسينيات.
اثبت على موقفك، لا تبيع
بدوره ينقل تقرير “فورتشن” الذي اطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” عن دان كيسي، مستشار الاستثمار ومؤسس شركة Bridgeriver Advisors، قوله إنه من الطبيعي أن يشعر المستثمر بالذعر قليلاً خلال أوقات التقلبات، ولكن هذا لا يعني أننا بحاجة إلى الاستسلام لرغبتنا، والتوجه إلى استعادة أموالنا، فخلال هذه الأوقات، يتعلق الأمر كله بأخذ نفس عميق والتراجع خطوة إلى الوراء.
- Advertisement -
وبحسب كيسي فإن جزءاً من المشكلة هو عندما يستمع المستثمر إلى القلق، سواء كان مبرراً أم لا، مشيراً إلى أنه يقول لعملائه في كثير من الأحيان أنهم عندما يبيعون في فترة ركود مثل هذه، فإنهم يخلقون حلاً مؤقتاً، ولكنهم يخلقون أيضاً مشكلة أخرى، تتمثل بتوقيت العودة، فالأشخاص الذين يتخارجون من السوق
بعد هبوط الأسهم، غالباً ما يضطرون إلى إعادة الشراء بسعر أعلى، ولذلك فإن أفضل نصيحة توجّه في هكذا أوضاع هي الطلب من العميل تقسيم الفرق، والاحتفاظ بنصف أمواله في السوق وسحب النصف الآخر.
ويؤكد كيسي أن الانسحاب من السوق في يوم واحد “يخلق فوضى”، وربما اضطراباً عالمياً إذا وقع ملايين المستثمرين فريسة للذعر في نفس الوقت، لافتاً إلى أنه رغم انتشار الحديث عن قلق الركود حالياً، فإنه يجب على المستثمرين تذكير أنفسهم بأن سوق الأسهم ليست الاقتصاد، كما أن العديد من المستهلكين لا يظهرون علامات الخوف، فالإنفاق لا يزال جيداً، والسفر لا يزال السفر جيداً والناس يخرجون ويتجولون، حيث لا يوجد شيء يشير إلى أن المستهلك في حالة ركود، ما يدل على أن كل شيء حتى الآن لا يزال على ما يرام.
- Advertisement -
فكر في الأهداف الطويلة الأجل
بدوره يقول دوجلاس بونيبارث، رئيس شركة Bone Fide Wealth في مدينة نيويورك، لمجلة فورتشن، إن ما نراه حالياً يحتوي في الحقيقة على الكثير من الضوضاء، حيث أن السوق غالباً ما تشهد ثلاث عمليات تراجع بنسبة 5 في المئة وواحدة بنسبة 10 في المئة في أي عام معين، مما يعني أن الاضطرابات الحالية ليست غير شائعة، موضحاً أن ما حصل يوم الإثنين يؤكد على أهمية وجود استراتيجية مالية طويلة الأجل، فأولئك الذين لديهم بالفعل احتياطي نقدي قوي، واستراتيجية يعتمدون عليها، لن يهتزوا كثيراً بسبب مجموعة سيئة من العناوين التي انتشرت مؤخراً.
وشدد على أن الصعود والهبوط يشكلان جزءاً من اللعبة، عندما يتعلق الأمر بسوق الأوراق المالية، ولهذا السبب يقترح معظم المستشارين الماليين، الاستثمار في سوق الأوراق المالية على المدى الطويل ــ وهذا يعني أن أي أموال قد تحتاج إلى الاعتماد عليها في السنوات القليلة المقبلة، يجب أن تكون في نوع آخر من الحسابات، مثل شهادات الإيداع أو حسابات التوفير ذات العائد المرتفع أو سندات الخزانة.
الخلاصة
يرى جريج جياردينو، نائب الرئيس للمستشارين الماليين في Wealth Enhancement Group، إن الخلاصة، هي كما يقول وارن بافيت، “كن جشعاً عندما يكون الآخرون خائفين”، فالانخفاضات في سوق الأسهم تشكل فرصة لإضافة المزيد إلى محفظتك بأسعار أرخص، خصوصاً بالنسبة للمستثمرين الذين يرغبون في الاعتماد على التفاؤل ولديهم أهداف طويلة الأجل، فهؤلاء يتطلعون إلى انخفاض كبير في المؤشر بنسبة 10 في المئة، للتحرك والاستفادة من ذلك، لذا وعندما تعود السوق وترتفع مرة أخرى، فإن قيمة محفظتهم ترتفع.
وسوق الأسهم التي تحركها المشاعر هو مفهوم يعبر عن حالة من تقلبات الأسعار التي تتأثر بشكل كبير بالعواطف والتوقعات النفسية للمستثمرين، بدلاً من البيانات الاقتصادية الدقيقة.
وفي هذا النوع من الأسواق، يمكن أن تؤدي المشاعر الجماعية مثل التفاؤل المفرط أو القلق المبالغ فيه، إلى تحركات غير مبررة في أسعار الأسهم، مما يعكس قوى نفسية أكثر من كونه استجابة للأداء الحقيقي للشركات أو الاقتصاد.
وفي ظل تأثير المشاعر، قد يتصرف المستثمرون بشكل عاطفي، مما يؤدي إلى ارتفاعات حادة في أسعار الأسهم خلال فترات التفاؤل أو انخفاضات شديدة خلال فترات القلق والخوف، حيث أن هذه الاضطرابات يمكن أن تخلق بيئة استثمارية غير مستقرة، لتتغير الأسعار بشكل سريع وغير متوقع بناءً على توجهات نفسية بدلاً من الأساسيات الاقتصادية.
التقلبات ستستمر
ويقول الرئيس التنفيذي لمركز كوروم للدراسات الاستراتيجية طارق الرفاعي، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه كان متوقعاً أن تشهد أسواق المال الأميركية هذا العام تقلبات، خاصة خلال النصف الثاني، حيث أنه كلما اقتربنا من الانتخابات الرئاسية الأميركية، سوف نشهد تقلبات أكثر، مشيراً إلى أن قطاع التكنولوجيا شهد بين عامي 2022 و2023 عملية تصحيح، ومن ثم تعافى الى رقم قياسي جديد، وهذا الأداء القوي في قطاع التكنولوجيا، كان بدعم من ظهور تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التوليدي وهو يعتبر نوع من الفقاعة التي انتهت الآن.
وبحسب الرفاعي فإن قطاعات أخرى في الأسواق سوف يكون أداؤها أفضل من قطاعات التكنولوجيا، ولكن تبقى قطاعات التكنولوجيا الأكثر رغبة للاستثمار فيها من قبل الافراد، خاصة في شركات شهيرة مثل أمازون وإنفيديا وميتا التي شهدت عملية تصحيح، لافتاً إلى أن عملية التصحيح لم تنتهِ بعد، وسنرى استمراراً في تقلبات أسواق المال، الى أن تقترب من الانتخابات الرئاسية الأميركية، خصوصاً أن الفيدرالي الأميركي يشير إلى خفض نسبة الفائدة في سبتمبر أيلول، في الوقت الذي يتوقع فيه الكثيرون أن تشهد عملية خفض الفائدة تسارعاً، وهذا الأمر سلبي جداً جداً لأسواق المال، فخفض سعر الفائدة بسرعة يشير إلى ضعف في الاقتصاد، وهذا الأمر يدركه جيداً المستثمرون.
ومن جهته يقول المحلل المالي محمد الحسن في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه في سوق مالية تحركها المشاعر يصبح من الصعب التمييز بين القرارات الصائبة، والقرارات التي تتأثر بالعواطف، فالأسواق التي تتأثر بشكل كبير بالعواطف، مثل الخوف والجشع، يمكن أن تشهد تقلبات حادة وسريعة غير متوقعة، مما يسهل وقوع المستثمرين في فخ القرارات الاندفاعية والعاطفية، ولذلك فإنه في مثل هذه البيئة الحساسة، من الضروري للمستثمرين اتباع استراتيجيات موضوعية، تضمن تحقيق أهدافهم المالية وتجنبهم الخسائر الكبيرة.
ويشدد الحسن على أنه ينبغي على المستثمرين التصرف بحكمة في سوق تحركه المشاعر، وذلك من خلال الابتعاد عن اتخاذ القرارات بناءً على مشاعر اللحظة، وهذا الأمر يتطلب تطوير قدرة التحكم في المشاعر، والاستناد إلى التحليل العميق، بدلاً من الاستجابة إلى الأخبار السريعة أو الشائعات، معتبراً أن التحليل الموضوعي وتقييم الموقف جيداً، قبل اتخاذ أي خطوة، يوفر أسساً قوية للنجاح في الأسواق المالية التي تتطلب مزيجاً من الاستراتيجية والوعي الذاتي.
وأكد الحسن أن اتباع خطة استثمارية ثابتة لإدارة المخاطر، من خلال تحديد قواعد للدخول في الصفقات والخروج منها، وإعداد أوامر وقف الخسارة وتحديد مستويات الربح، وطلب المشورة من مستشارين ماليين محترفين، يساعد في تجنب القرارات العاطفية، ولكن هذا لا يمنع أن يقوم المستثمر بإعداد خطة للطوارئ في حال حدوث تقلبات كبيرة أو مفاجئة في السوق، مشدداً على وجوب التنويع في الاستثمار، إذ لا يجب على الفرد أن يضع كل أمواله في استثمار واحد أو نوع واحد من الأصول، فالتنويع يساعد في تقليل المخاطر ويحسن من استقرار المحفظة الاستثمارية.