ويعتبر مستثمرون ومراقبون هذه الرياح التضخمية إشارات قد تعطي مزيداً من الوقت لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لخفض أسعار الفائدة والذي كان متوقعاً في يونيو المقبل.
فبعد أن لامس الذهب أدنى مستوياته عند 1616 دولاراً للأونصة في أكتوبر 2020، اتجه الذهب لاختبار مستوياته التاريخية 2078 دولاراً للأونصة في مايو 2023، ثم شهدنا موجة تصحيح نحو 1811 دولاراً في سبتمبر 2023، ليبدأ الذهب حينها رحلة الصعود نحو مستويات تاريخية جديدة عند 2195 دولاراً للأونصة في شهر مارس.
وأظهرت بيانات أميركية لشهر فبراير الماضي أن التضخم لا يزال عنيداً، إذ ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين للشهر الثاني على التوالي إلى 3.2 بالمئة على أساس سنوي، بعكس توقعات بأن يظل دون تغيير عن مستواه في يناير عند 3.1 بالمئة.
- Advertisement -
هذا الارتفاع غير المتوقع للتضخم ولو كان بسيطاً، زاد الضغوط على الاحتياطي الفيدرالي للإبقاء على أسعار الفائدة عند مستوياتها المرتفعة الحالية، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر على الذهب ويبعده عن المستويات التاريخية التي حققها أخيراً بفضل رهانات خفض الفائدة في يونيو، حيث بدأ المعدن الأصفر بالفعل يبتعد عن أعلى ذروة له ليصل في تداولات الجمعة إلى 2168.23 للأونصة.
أما بالنسبة لأسعار الفائدة، فتعد حالياً الأعلى منذ 22 عاماً، وتتراوح بين 5.25 و5.5 بالمئة، بعد أن أبقاها الاحتياطي الفيدرالي في أربع اجتماعات متتالية دون تغيير وأخرها في اجتماعه المنعقد بتاريخ 31 يناير.
مستقبل المعدن الأصفر
في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” قال نضال الشعار، كبير الاقتصاديين في شركة “ACY” بأستراليا: “مستقبل الذهب على المدى الطويل يتجه نحو الارتفاع شئنا أم أبينا بسبب محدودية العرض واستمرار الطلب، لكن وصول الذهب إلى مستوى 2200 دولار للأونصة أمراً مبالغاً فيه، ويعود هذا الارتفاع إلى رغبة المصارف المركزية بالاحتفاظ بالذهب بسبب الحرب المخفية والظاهرة على الدولار”.
- Advertisement -
وأضاف: “يعنى هذا أن الذهب أصبح منافساً للدولار وللعملات الرقمية وبالتالي هناك مستثمرين يعتقدون أن الذهب طالما يتمتع بخاصية محدودية العرض واستمرارية الطلب فهو أفضل من السندات الأميركية وأفضل من أي سلعة أخرى، لذلك لاحظنا هذا الارتفاع في سعره”.
لكن السؤال.. هل سيستمر الذهب بالارتفاع في خلال عام 2024؟
يجيب الدكتور الشعار على هذا السؤال بقوله: “إن سعر الذهب وصل إلى عتبة لا يمكن تجاوزها إلا بصعوبة أو بنوع من المضاربات التي يمكن أن تحصل في أي وقت أو في حال رغبة بعض المصارف المركزية الاحتفاظ بالمعدن الأصفر وبالتالي يصعب جداً التنبؤ بأسعار الذهب بشكل واضح لكن من السهولة جداً التنبؤ بهامش التغير في السعر، وأرجح أن يتراوح الهامش خلال أعوام 2024 و2025 و2026 بين 1600 و2700 دولار للأونصة، أي نتحدث عن هامش بمقدار 1000 دولار.
- Advertisement -
وأكد أن هذا الهامش الكبير لا ينزع عن الذهب صفته بأن له قيمة دائمة لدى الأفراد والمصارف المركزية وبالتالي وضع رقم معين يصل إليه الذهب هو “محاولة عبثية”.
ورداً على سؤال حول تأثير ارتفاع معدل التضخم على سعر الذهب قال كبير الاقتصاديين في شركة “ACY” بأستراليا: “ارتفع معدل التضخم بنسبة بسيطة جداً وتأثير ذلك على الذهب انخفاضاً قليل جداً ويكاد لا يذكر، فالعلاقة العكسية التاريخية التي تعودنا عليها بين سعر الذهب وسعر صرف الدولار، لم تعد هي العلاقة المسيطرة على أسعار الذهب إلا في حال كان ارتفاع سعر صرف الدولار بالنقاط.. ثلاثة أو أربعة نقاط على سبيل المثال، لكن التغيرات الطفيفة لم تعد تعكس هذه العلاقة، بسبب العوامل الأخرى المحددة للطلب وهي شراء الذهب من قبل المصارف المركزية، والتنافس ما بين العملات الرقمية والذهب، بالإضافة إلى أن أغلب المستثمرين بات لديهم قناعة أن الذهب وصل إلى عتبة لا يمكن تجاوزها”.
الذهب يستفيد من العزوف عن السندات
ويرى الشعار أن “انخفاض سعر الذهب خلال الأسبوع بين 35 إلى 40 دولاراً للأونصة لا يعكس انخفاض او ارتفاع سعر صرف الدولار، إذ أن مؤشر الدولار لا يزال مستقراً وكذلك التضخم لا يزال شبه مستقر.
كما أن الاستقرار النسبي في أسعار الذهب ما بين 2150 و2200 دولار للأونصة يعود أيضاً إلى عزوف المستثمرين عن السندات بسبب توقعات انخفاض أسعار الفائدة ذلك أن أغلب المستثمرين لا يفضلون حالياً شراء سندات وبالتالي السيولة الفائضة في السوق ذهبت باتجاه المعدن الأصفر والعملات الرقمية والأسهم”.
فسهم إنفيديا مثلاً وصل إلى 900 دولار وهذا الرقم لا يعبر عن أي قيمة اقتصادية لإنفيديا ولكن هناك سيولة فائض تبحث عن منافذ للاستثمار، بحسب الشعار.
بدوره، قال محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي، أحمد عزام في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “يبدو أن عام 2024 يحمل معه الكثير لتداولات الذهب، حيث أن الارتفاعات الأخيرة وصولاً إلى مستويات تاريخية كانت مدفوعة من كون الذهب ملاذاً آمناً في ظل الأزمات والتوترات وأنه أحد الأدوات المفضلة مع حالة عدم اليقين التي تخيم على الأسواق، حيث سجل الذهب ارتفاعات متسارعة بعد التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط وصولاً إلى أزمة البحر الأحمر ما أعطى المعدن الأصفر الأولوية لتوجهات المستثمرون كونه ملاذ آمن”.
كما أن اختلاط الأوراق بين تفاؤل الأسواق بتوجه البنوك المركزية لتخفيضات الفائدة بشكل سريع في عام 2024 وبين توقعات البنوك المركزية لعدد تخفيضات الفائدة؛ جعل الذهب أداة استثمارية مناسبة انتقل لها المستثمرون من أسواق الدخل الثابت، بحسب تعبيره.
العوامل المؤثرة على الذهب مستقبلاً
ويشرح عزام أن حالة الاضطراب الاقتصادي أو التخوف من المجهول كانت سبباً أساسياً لارتفاعات الذهب، بالإضافة إلى ذلك، توجهات البنوك المركزية لزيادة الطلب على الذهب كما أشار تقرير مجلس الذهب العالمي، وجعل الأسواق تعتقد بأن الطلب القادم من البنوك المركزية ما هو إلا خطوة أولى لأزمة اقتصادية قادمة.
ويضيف بأنها وبكل تأكيد مخاوف تواجدت في الأسواق سابقاً مع انهيارات البنوك الأميركية، وتراجع أسهم بعض البنوك في ألمانيا واليابان.
وقال إن الأسواق تقف على قدم واحدة متخوفة من حدث اقتصادي مفاجئ يهز الأسواق، بما يُسمى بـ “البجعة السوداء”.
وتابع محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي : “أو أن التضخم لايزال راسخاً اقتصادياً بناء على معطيات الضغوط التضخمية، أو أن الأسواق قد تفاءلت بشكل مبالغ فيه حول شروع البنوك لتخفيض الفائدة.. كل ذلك مسببات متكاتفة للذهب لتسجيل المزيد من الارتفاعات وتحقيق أرقام تاريخية جديدة في عام 2024، وجميع هذه الأسباب كانت مؤثرة في الربع الأول من عام 2024 وستبقى هي المؤثر الأساسي حتى نهاية العام”.
كما أن صعود الذهب وتسارعه سيكون مرتبطاً بشكل وثيق مع حدة مفاجأة الأرقام الاقتصادية القادمة، لكن تبقى المعطيات الحالية من ارتفاع حدة التوترات الجيوسياسية، والتوجه للذهب كغطاء للأموال من التضخم، وزيادة طلب البنوك المركزية، وامكانية التوجه للذهب كاستثمار جيد في وقت تخفيض أسعار الفائدة أسباب مسوغة للذهب للوصول نحو مستويات 2250 دولاراً للأونصة ثم 2350 دولاراً وقد نصل نحو مستويات 2500 دولاراً في حال تخفيض أسعار الفائدة بوتيرة أسرع مما تعتقده الأسواق، بحسب عزام.
لكن محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي عزام يميل أكثر لأن يكون 2024 و2025 عامين مثيرين في التحركات الاقتصادية والمفاجآت.
ويقول: “قد نشهد تقلبا للتضخم في الفترة القادمة ما سيجعل تحركات البنوك المركزية بتخفيض الفائدة غير واضحة المعالم وأن يكون تعديل السياسة النقدية رد فعل على البيانات الاقتصادية ما سيدخل الاقتصادات بمرحلة غموض مع محاولة التكيف مع سياسة نقدية تشددية لفترة زمنية طويلة، وذلك قد يعطي النمو الاقتصادي تراجعات قاسية قد تدخل العديد من الاقتصادات في مرحلة الركود، وقد يكون الذهب أحد أهم الأدوات الاستثمارية المستفيدة في ظل الغموض والانتكاسات الاقتصادية”، بحسب تعبيره.