ولكن قبل أن يبدأ أي فرد بالتخطيط للتقاعد، من المهم أن يفكر في الشكل الذي يريد أن يبدو عليه نمط حياته التقاعدي، حيث سيحتاج إلى وضع خريطة طريق، تبقيه على المسار الصحيح، وتخلق توازناً بين مسار ادخار المال لوقت لاحق، وتوفير ما يكفي لدفع ثمن الأشياء الآن.
وسواء أكان الأفراد على بُعد بضع عقود أو سنوات قليلة من التقاعد، فإن أفضل ما يمكنهم فعله، هو التخلص من بعض الأخطاء الشائعة، التي تجعلهم يضعون تقييماً غير صحيح، لحياة ما بعد التقاعد، ما يساعدهم على تجنب مواجهة صعوبات مالية، وتحقيق أقصى استفادة من أصولهم.
- Advertisement -
الخطأ رقم واحد
ووفقاً لآراء متخصصين في القطاع المالي، فإن الخطأ رقم واحد الذي يرتكبه الأشخاص خلال تخطيطهم للتقاعد، هو التقليل من تأثير التضخم على قيمة مدخراتهم، في حين أن ثاني أكثر أخطاء التقاعد شيوعاً، هو التقليل من متوسط العمر المتوقع عيشه.
وفي الوقت نفسه، يرى المتخصصون أن المبالغة في تقدير دخل الاستثمار، والاستثمار بشكل متحفظ للغاية ووضع توقعات غير واقعية للعائد، وإهمال تكاليف الرعاية الصحية، وعدم فهم مصادر الدخل، والاعتماد بشكل كبير على المنافع العامة، وعدم تقدير تكاليف العقارات، والاستثمار بقوة شديدة، هي على التوالي من الأخطاء الأكثر شيوعاً التي يرتكبها الأفراد عند التخطيط للتقاعد، بحسب بيانات شركةNatixis Investment Managers لإدارة الأصول.
ويقول المستشار المصرفي بهيج الخطيب، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن التخطيط السليم للتقاعد يعتبر من العوامل الاستراتيجية التي تتيح للفرد أن يكون مستعداً لمواجهة جميع جوانب الحياة بعد انتهاء العمل مدفوع الأجر.
وأضاف أن الأمان المالي بعد التقاعد لا يحدث من تلقاء نفسه، بل يحتاج إلى تخطيط والتزام، والابتعاد عن الأخطاء الشائعة وأهمها خطأ التقليل من تأثير التضخم على قيمة المال، حيث يحتاج الفرد إلى التفكير في أن الأسعار المستقبلية للسلع، ستصبح أغلى مما هي حالياً بسبب التضخم المستمر.
- Advertisement -
ويضيف: “ومن هنا فإن أي خطة لاحتساب النفقات اليومية، لسنوات ما بعد العمل يجب أن تكون مبنية على مبدأ الحاجة لسيولة أكبر، لتجنب مواجهة المشاكل النقدية بسبب ارتفاع أسعار السوق”.
البقاء على قيد الحياة لفترة أطول
وبحسب الخطيب فإن الكثير من الأشخاص وعند إعدادهم لخطتهم الادخارية، يقللون من المدة التي سيعيشونها بعد التقاعد، ولكن وبفضل تحسن مستوى الرعاية الصحية في العالم، بات الناس يعيشون حياة أطول، وأكثر صحة من أي وقت مضى، وهذا الأمر أكده العديد من الدراسات، التي أظهرت ارتفاع متوسط العمر المتوقع للإنسان في السنوات الأخيرة، مشيراً إلى أن بعض الأشخاص، يجمعون مدخرات تكفيهم لمدة 10 أو 15 عاماً بعد سن التقاعد، ولكن ماذا لو عاش هؤلاء لمدة 30 عاماً.
- Advertisement -
وشدد الخطيب على ضرورة أن يقوم الأفراد، بالتخطيط لاحتمال أن يعيشوا لفترة أطول بكثير مما كانوا يعتقدون، ما يعني أنه ستكون هناك حاجة إلى المزيد من أموال التقاعد، للحفاظ على مستوى المعيشة المعتادة لفترة أطول.
المبالغة في تقدير دخل الاستثمار
ويعتبر الخطيب أن الإفراط في تقدير دخل الاستثمار، يقود إلى تحمل مخاطر أكثر مما ينبغي، فالتحيز المفرط في الثقة، يمكن أن يقود الفرد إلى رفض المعلومات أو تجاهل النصائح من الآخرين، وهذا الخطأ يرتكبه الكثير من الأشخاص، عند إعدادهم لخطط التقاعد الخاصة بهم، ويؤدي بهم إلى المبالغة في تقدير دخلهم، لينتهي بهم الأمر في إنفاق أكثر مما يكسبون، وذلك كون ميزانيتهم للتقاعد، كانت مبنية على افتراض الحصول على دخل أكبر من استثماراتهم.
ولهذا السبب، فيجب على الأفراد تقييم مداخيلهم ونفقاتهم بشكل صحيح، وتحديثها بشكل دوري واحتساب ما الذي سيتبقى لهم بعد اقتطاع الضرائب والاستقطاعات الأخرى، بحسب الخطيب.
ويلفت الخطيب إلى أنه لا يمكن اعتبار الدخل المتوقع تحقيقه من الاستثمارات، أمراً مؤكداً، فهذا الأمر يخضع لعوامل السوق التي قد تنقلب رأساً على عقب بين ليلة وضحاها، داعياً إلى الإبحار بتواضع في عالم الاستثمار، حيث أن وضع توقعات غير واقعية للعائد، والفشل في فهم مصادر الدخل، إضافة إلى المبالغة في تقدير دخل الاستثمار، كلها من الأخطاء الكبرى التي يرتكبها الأشخاص عند التخطيط للتقاعد.
ويرى الخطيب أن الزيادة في متوسط العمر المتوقع للإنسان، تزيد من الحاجة إلى تحمل المزيد من نفقات الرعاية الصحية، فالتقاعد يعني أنك تجاوزت الستين من العمر، وأنك قد تصاب ببعض الصعوبات الصحية تدريجياً مع مرور السنين.
ومع الأخذ في الاعتبار أن نفقات الرعاية الصحية تزداد تلقائياً مع التقدم في العمر، فإن تكاليف الاستشفاء مع العيش لسنوات أطول، يمكن أن يضعا ضغوطاً هائلة على المدخرات، إذا لم يتم احتسابها بشكل صحيح في خطة التقاعد، داعياً للنظر في خيارات التأمين، التي يمكن للأفراد الاستفادة منها بشكل أفضل، عند مواجهة الفواتير الطبية المحتملة في سن التقاعد.
الاستثمار بشكل متحفظ أو بكثافة
ويتابع الخطيب في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” بالقول، إن الاستثمار بشكل متحفظ للغاية، أو المبالغة في حجم الاستثمارات بهدف تحقيق تقاعد مريح، هي من الأخطاء القاتلة التي يرتكبها الكثير من الأشخاص، والتي تجعل الأمن المالي المستقبلي غير مضمون، فرغم أن كلمة “متحفظ “، يمكن أن توحي بالحكمة والرغبة في تجنب التقلبات، إلا أن هذا المسار ليس الطريق الصحيح لمواكبة التضخم، وتحقيق أهداف التقاعد الخاصة بكل فرد.
وأضاف: “إذا ألقينا نظرة فاحصة على السوق، نجد أن المحفظة المتحفظة من الاستثمارات، تعود بمخاطرها الخاصة، تماماً مثل المبالغة في كمية الاستثمارات، واللجوء إلى العدوانية في هذا المجال”.
ويلفت الخطيب إلى أن النقطة الأساسية لمحفظة التقاعد، هي تمويل السنوات التي لا يعمل فيها الفرد، وتعويض تأثير التضخم، للحفاظ على القوة الشرائية، ولذلك قد يكون من الحكمة، تنويع المحفظة عبر فئات الأصول المختلفة، وفئات الأصول الفرعية، حيث من الممكن الاستثمار باعتدال في الأسهم الصغيرة، والسندات، والأسهم الدولية، والمشتقات المالية، مشدداً على ضرورة الابتعاد عن العدوانية في هذا المجال، وعدم إهمال وجود صندوق طوارئ، يحتوي على أموال سائلة.
الاعتماد بشكل كبير على المنافع العامة
ويرى الخطيب أن مزايا الضمان الاجتماعي، توفر مستوى من الدخل أثناء التقاعد، إلا أنها غالباً ما تكون غير كافية لتغطية جميع النفقات، ولذلك فإن الاعتماد بشكل كبير على المنافع العامة، التي يمكن الحصول عليها من الضمان، هو خطأ كبير وقد يترك ذوي الموارد المحدودة غير قادرين على تحمّل نفقات ما بعد التقاعد.
عدم تقدير تكاليف العقارات
ويشير الخطيب إلى أن المتقاعدين، غالباً ما يعتبرون ملكية منازلهم جزءاً من مدخراتهم، ولكنهم يتناسون أن هناك تكاليف خفية، تحتم عليهم تخصيص جزءاً من أموالهم للضرائب العقارية، ولأعمال الصيانة الباهظة، التي يحتاجها المنزل من إصلاح وترقية للأجهزة، وبالتالي فإن عدم تقدير هذه التكاليف بشكل صحيح، هي خطأ شائع يرتكبه قسم كبير من الأشخاص، عند إعدادهم لخطة التقاعد.