ويبدو أن بعض الجوانب التقنية للعملات المشفرة يمكن أن تسهم في جعل عمليات غسيل الأموال أكثر صعوبة في التتبع.
مع ذلك، يتعين أيضًا النظر في التحديات المستمرة التي تواجه محاولات مكافحة غسيل الأموال في مجال العملات المشفرة، ذلك أن تقنيات التشفير والتحويل المجهول تجعل من الصعب تحديد هويات الأفراد وتتسبب في تعقيد التحقيقات.
يتطلب مواجهة هذه التحديات التعاون الدولي وتطوير إجراءات فعالة لمراقبة استخدام العملات المشفرة. وعلى الصعيدين القانوني والتنظيمي، ينبغي للدول والهيئات المعنية أن تعمل على وضع إطار قانوني صارم وفعال لتنظيم استخدام العملات المشفرة والحد من فرص إساءتها.
- Advertisement -
عملة “تيذر” Tether
حذرت الأمم المتحدة من أن منصة Tether، وهي واحدة من أكبر منصات العملات المشفرة في العالم، برزت كواحدة من طرق الدفع الرائدة لغاسلي الأموال والمحتالين النشطين في جنوب شرق آسيا.
وفقًا لتقرير نشره مطلع الأسبوع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، فإن العملة المشفرة الخاصة بشركة Tether، والمعروفة أيضًا باسم “تيذر“ Tether، هي في قلب “صناعة متفجرة من عمليات الاحتيال”، بما في ذلك تلك التي تصمم اتصالات رومانسية زائفة لكسب ثقة الضحية قبل إغرائها، لتحويل مبالغ كبيرة.
ووفق التقرير، فإنه “في السنوات الأخيرة، أبلغت سلطات إنفاذ القانون والاستخبارات المالية عن الاستخدام المتزايد بسرعة لأجهزة متطورة وعالية السرعة في غسيل أموال (..)”.
- Advertisement -
كما أدى تطور العملة المشفرة، إلى جانب التطورات التكنولوجية السريعة الأخرى، إلى تحفيز الممارسة المستمرة منذ عقود بين عصابات الجريمة المنظمة في جنوب شرق آسيا المتمثلة في استخدام السوق السوداء لغسل الأموال غير المشروعة.
ويقول التقرير: “لقد برزت منصات المقامرة عبر الإنترنت، وخاصة تلك التي تعمل بشكل غير قانوني، باعتبارها من بين أكثر الأدوات شعبية لغسيل الأموال القائمة على العملات المشفرة، وخاصة بالنسبة لأولئك الذين يستخدمون Tether “.
وقال جيريمي دوغلاس، من مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، لصحيفة فايننشال تايمز: “لقد أنشأت الجريمة المنظمة بشكل فعال نظامًا مصرفيًا موازيًا يستخدم تقنيات جديدة، كما أدى انتشار منصات عبر الإنترنت بشكل فضفاض أو غير منظم تمامًا إلى جانب العملات المشفرة إلى زيادة النظام البيئي الإجرامي في المنطقة”.
- Advertisement -
عملة مستقرة
- تعد Tether عملة مستقرة، وهي عملة مشفرة تتبع عادةً العملة الصعبة لتحقيق الاستقرار في السعر.
- يتم ربط Tether بالدولار الأميركي ويسمح للمتداولين بالدخول والخروج من تداولات العملات المشفرة، على عكس العملات المشفرة مثل البيتكوين التي لا ترتبط بالعملات الصعبة وتستخدم في الغالب للمضاربة.
- تعد الأكبر من نوعها حيث يبلغ حجم تداولها حوالي 95 مليار دولار.
كبير الاقتصاديين في شركة ACY المالية في أستراليا، نضال الشعار، اعتبر في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن تقرير الأمم المتحدة صحيح لكنه جاء متأخرًا كثيرًا، خصوصًا وأن Crypto crimes و الـ Cyber crimes بدأت منذ أكثر من 10 سنوات وذلك مع بدء استخدام العملات الرقمية.
وأضاف الشعار أن طريقة التعامل والتخزين في العملات الرقمية مختلف عن أي وسيلة أخرى، معتبرًا أن ثمة عديداً من العوامل مجتمعة تجعلها مرشحة للاستخدام بطرق غير شرعية.
واستطرد: دول مثل تايلاند وتايوان وميانمار شهدت خلال الفترة الماضية الكثير من نوعية هذه الجرائم عبر استمالة العميل بوضع إيداع في شركات وهمية تبدو وكأنها حقيقية، هذه الشركات تكون واجهة لمحافظ ساخنة وبعد فترة تختفي هذه الشركة وهنا يتعرض العميل للنصب.
وأفاد بأنه منذ 2021 هناك ما يقرب من 12 مليار دولار سنويًا أموال بددت بهذه الطريقة، موضحًا أن الرقم بنهاية 2023 وحده تجاوز الـ 10 مليارات دولار، وفق بعض التقديرات.
وذكر أن عملة الـ ” Tether” المشفرة ليست بمفردها المستخدمة في عمليات غسيل الأموال لكن هناك عملات أخرى استخدمت خصوصًا العملات غير المسجلة والغير قابلة للاستبدال.
وشدد في حديثه على أن مجال العملات المشفرة متاح للغش وتبيض الأموال، متوقعًا ارتفاع معدلات هذه الجرائم في المستقبل إلا إذا كان هناك نوع من الضوابط من قبل الحكومات مصحوبًا بعقوبات رادعة.
تفكيك شبكات
ويشير تقرير الأمم المتحدة إلى أن السلطات قامت في السنوات الأخيرة بتفكيك عديد من شبكات غسيل الأموال المسؤولة عن نقل أموال Tether غير المشروعة، بما في ذلك العملية التي استعادت فيها السلطات السنغافورية 737 مليون دولار نقدًا وعملات مشفرة في أغسطس الماضي.
على الرغم من حملة القمع واسعة النطاق على الأصول الرقمية في الولايات المتحدة وأماكن أخرى، استمرت الجماعات الإجرامية في احتضان Tether تيثر كوسيلة فعالة لنقل الأموال.
وفقا للوثائق التي اطلعت عليها “فاينانشيال تايمز”، قامت إحدى عصابات غسيل الأموال في ولاية شان بميانمار والتي تعمل أيضًا في كمبوديا بتعليق لافتة في شارع مزدحم تعلن عن ” Tether” وتعد بتبادل العملات الرقمية “السوداء” مقابل النقود.
غسيل الأموال
وإلى ذلك، يقول محلل أول لأسواق المال في مجموعة إكويتي، أحمد عزام، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن عملة ” Tether” المشفرة مستخدمة وبكثرة من قبل غاسلي الأموال، وذلك لعدة أسباب:
• ارتفاع معدل التداول عليها يوميًا على جميع المنصات، بينما السلطات الأميركية ذكرت أن 27 بالمئة من محافظ عملة الـ ” Tether” وضعت في القائمة السوداء في نهاية العام 2023 .
• تتميز ” Tether” عن سائر العملات الرقمية بأنها تعتبر عملة مستقرة لارتباطها بالدولار الأميركي ما يجعلها عملة لا تخسر قيمتها مع مرور الزمن.
• تعتبر ثالث أكبر عملة رقمية بما يقدر بـ 95 مليار دولار كقيمة سوقية بالنسبة للعملات الرقمية الأخرى
• هي العملة المستقرة الأكثر شعبية في التداول.
• ارتفاع الطلب عليها قد يجعلها غير قابلة للتتبع بالنسبة للاستخدامات غير الشرعية.
وذكر عزام أنه وبشكل عام فإن ارتفاع التداول اليومي على العملات الرقمية يجعلها عرضة للاستخدامات غير القانونية، كما أن عدم القدرة على تتبع العملات يجعلها جاذبة أيضاً للاستخدامات غير الشرعية، فضلًا عن أن سماح بعض شركات بطاقات الائتمان اعتماد العملات الرقمية هذا ما سهل عمليات غسيل الأموال.
كما يعد إجراء التحقيقات وتطوير التكنولوجيا لتتبع عمليات التحويل ومكافحة الجريمة المالية أمرًا حاسمًا، بحسب عزام.
وفي النهاية، يتعين تحقيق التوازن بين تعزيز التقنيات الرقمية وحقوق الأفراد مع تقديم إطار قوي لمكافحة جرائم غسيل الأموال في عالم العملات المشفرة.