وبينما تستخدم فرنسا ورقة الهجرة للضغط على الجزائر، فإن الأخيرة تمتلك بدورها أدوات مؤثرة، أبرزها ملف الطاقة والعلاقات الاقتصادية، مما يجعل العلاقة بين البلدين أشبه بـ”حبل مشدود” لا يمكن قطعه بسهولة.
أوضح أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جنيف، حسن عبيدي، خلال حديثه إلى غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية أن القائمة التي أرسلتها فرنسا بأسماء الجزائريين المطلوب ترحيلهم ليست إلا محاولة لاختبار موقف السلطات الجزائرية.
كما يشير إلى أن “فرنسا لديها مصالح كبيرة، سواء في القضايا الاقتصادية أو الأمنية، وهناك مشاورات أمنية على أعلى مستوى”، مما يؤكد أن أي تصعيد لن يكون في مصلحة أي من الطرفين.
- Advertisement -
الهجرة.. ورقة ضغط بوجهين
تمثل قضية الهجرة أحد المحاور الأساسية في التوتر بين البلدين. ففرنسا، التي تسعى إلى تشديد إجراءاتها ضد المهاجرين، وجدت نفسها في مواجهة عراقيل قانونية ودبلوماسية عند التعامل مع الجزائر. فوفقًا لعبيدي، فإن الجزائر “تُصر على احترام حقوق رعاياها في فرنسا، وهو ما يضع قيودًا على عمليات الترحيل الإداري السريع”.
كما أن الجزائر نفسها تمتلك قائمة بأسماء شخصيات مطلوبة لدى القضاء الجزائري وتقيم في فرنسا، لكن تسليم هذه الشخصيات يواجه عقبات قانونية، خاصة لمن حصلوا على حق اللجوء السياسي.
وبينما تحاول فرنسا فرض شروطها، يرى عبيدي أن “فرنسا تعلم أن الضغط على الجزائر في هذا الملف لن يكون سهلا، خاصة أن دولًا أخرى لا تتعاون في قضايا الترحيل كما ينبغي، لكن باريس تركز تحديدا على الجزائر”، وهو ما يغضب السلطات الجزائرية ويزيد من تعقيد العلاقات.
الاقتصاد والطاقة.. الجزائر تمسك بزمام اللعبة
- Advertisement -
إذا كانت فرنسا تستخدم ورقة الهجرة، فإن الجزائر تملك أوراقًا اقتصادية لا تقل أهمية. إذ تعتمد فرنسا على الغاز الجزائري، كما أن الشركات الفرنسية لديها استثمارات كبرى في الجزائر، مما يجعل قطع العلاقات الاقتصادية مستبعدًا.
وهنا يشير عبيدي إلى أن “فرنسا، رغم محاولاتها الضغط، تدرك أن مصالحها الاقتصادية ستكون المتضرر الأكبر من أي تصعيد غير محسوب”.
اتفاقية 1968.. سلاح ذو حدين
- Advertisement -
إحدى القضايا المثيرة للجدل في العلاقات الثنائية هي اتفاقية 1968، التي تحدد شروط إقامة الجزائريين في فرنسا. وتسعى باريس إلى مراجعة هذه الاتفاقية وفرض تعديلات تجعل عمليات الترحيل أكثر سهولة، لكن وفقًا لعبيدي، فإن “التهديد بإلغاء الاتفاقية قد يكون ضربة كبيرة للعلاقات الفرنسية الجزائرية، خاصة أنها ترتبط بشكل مباشر باتفاقية إيفيان، التي شكلت الأساس القانوني للاستقلال الجزائري”.
الحل.. عودة الدبلوماسية بدل التصعيد
في ظل هذا التوتر، يرى عبيدي أن تجاوز الأزمة الحالية يتطلب إعادة الملف إلى الدوائر الدبلوماسية بدلا من تركه بيد وزير الداخلية الفرنسي، الذي يتحرك وفق أجندات سياسية داخلية مرتبطة باليمين المتطرف.
ويوضح أن “الجزائر لا ترغب في أن يكون شريكها الأول في الحوار هو وزير الداخلية الفرنسي، الذي أظهر عدم رغبة في تحسين العلاقات”، معتبرا أن الحل يكمن في استعادة الحوار المباشر بين رئيسي البلدين ووزارتي الخارجية.
علاقات لا يمكن كسرها بسهولة
رغم كل الأزمات، يبقى من الصعب تصور قطيعة كاملة بين فرنسا والجزائر، نظرًا للروابط العميقة التي تجمع البلدين، سواء من حيث المصالح الاقتصادية، أو القضايا الأمنية، أو حتى الارتباط التاريخي الذي لا يمكن تجاوزه بسهولة.
في النهاية، كما يشير عبيدي، فإن “الدولتين ليست لهما أي مصلحة في الوصول إلى نقطة اللاعودة”، وهو ما يجعل استمرار العلاقات، رغم التوترات، الخيار الوحيد الممكن.