هذا التراجع، إذا كان كذلك، يفتح الباب أمام تساؤلات أساسية: هل هو تحول حقيقي في الموقف الأميركي، أم مجرد تكتيك سياسي يندرج ضمن مناورات ترامب المعتادة للحصول على تنازلات أكبر من الأطراف الفاعلة؟ وهل يتماشى هذا التوجه مع الرؤية الإسرائيلية والإقليمية أم أنه يعكس تباينات بين الحلفاء؟
القاهرة ترحب
لم تنتظر القاهرة طويلا للرد على تصريحات ترامب، حيث أصدرت الخارجية المصرية بيانا شددت فيه على أهمية “البناء على هذا التوجه الإيجابي” لدفع جهود إحلال السلام.
- Advertisement -
كما أكدت على ضرورة التعامل مع أي مبادرة أميركية جديدة تأخذ في الاعتبار “التطلعات المشروعة للشعب الفلسطيني”.
بالتزامن مع ذلك، اجتمع وزراء خارجية مصر والسعودية والأردن وقطر والإمارات في الدوحة، حيث ناقشوا مع المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف جهود تثبيت وقف إطلاق النار في غزة.
الاجتماع عكس تزايد الاهتمام العربي بإدارة الملف الفلسطيني وفق رؤية تتماشى مع المصالح الإقليمية، لا سيما فيما يتعلق بمستقبل حركة حماس ودورها في المعادلة السياسية.
الضغط على حماس مستمر.. والمواقف العربية تتغير
- Advertisement -
يرى المستشار السابق في وزارة الدفاع الإسرائيلية، ألون أفيتار، خلال حديثه لبرنامج “الظهيرة” على “سكاي نيوز عربية” أن السياسة الأميركية تحت إدارة ترامب تهدف إلى زيادة الضغوط على حماس وقطاع غزة، لكنه يشير أيضا إلى وجود تحول ملحوظ في الموقف العربي تجاه الحركة.
“هناك توجه متزايد في الدول العربية لدعم فكرة نزع سلاح حماس، وهو ما يتماشى مع الاستراتيجية الإسرائيلية طويلة المدى”، يقول أفيتار، مضيفا أن “القمة العربية الأخيرة في القاهرة أبرزت تراجعا في الدعم العربي لحماس، ما يعكس تغيرا جوهريا في رؤية بعض الدول تجاه الملف الفلسطيني”.
ويضيف أفيتار أن المفاوضات الجارية بين حماس وإسرائيل تشمل التمديد للمرحلة الأولى من وقف إطلاق النار والإفراج عن مختطفين إسرائيليين، لكنه يؤكد أن تصريحات ترامب الأخيرة قد تؤثر على مسار هذه المحادثات، إذ قد تدفع إسرائيل إلى إعادة تقييم استراتيجيتها تجاه غزة.
- Advertisement -
أما عن العلاقة بين واشنطن وتل أبيب، فيرى أفيتار أنها رغم التنسيق الاستراتيجي العميق، لا تخلو من التباينات التكتيكية. ويقول: “هناك خلافات في وجهات النظر بين الأميركيين والإسرائيليين حول شرعية المفاوضات مع حماس، كما أن المحادثات بين الولايات المتحدة وحماس لم تحقق نجاحًا يذكر حتى الآن”.
تناقضات ترامب.. مناورة أم تغيير حقيقي؟
من ناحيته، يرى رئيس تحرير صحيفة الشروق، عماد الدين حسين، أن تصريحات ترامب الأخيرة ليست سوى حلقة جديدة في سلسلة مواقفه المتناقضة.
“منذ وصوله إلى البيت الأبيض، لا أحد يستطيع التنبؤ بما سيقوله ترامب. ففي يناير الماضي، تحدث عن شراء أو الاستيلاء على غزة، والآن يقول إنه لن يُجبر أحد على مغادرة القطاع. هذا التناقض يعكس أسلوبه في التفاوض، حيث يرفع السقف إلى أقصى حد قبل أن يتراجع لإعطاء انطباع بأنه يقدم تنازلات”.
ويضيف حسين أن الدول العربية، وعلى رأسها مصر، رحبت بتصريحات ترامب الجديدة لأنها قد تمنع تفاقم الأزمة في المنطقة، لكنها في الوقت نفسه تدرك أن ترامب قد يتراجع عن موقفه في أي لحظة.
“ترامب أعرب عن ثقته في تصريحاته بنسبة 98%، لكنه ترك مساحة 2% للتراجع. هذه طريقته في إدارة الملفات الكبرى، كما فعل مع كندا في مفاوضات التجارة، ومع أوروبا في قضايا أخرى. إنه لا يؤمن بالاتفاقيات التقليدية، بل يتعامل مع السياسة كصفقة تجارية بحتة”، يقول حسين.
وفيما يتعلق بالموقف الإسرائيلي، يشير حسين إلى أن الضغط على حماس ليس بالأمر الجديد، بل يمتد لعقود طويلة، لكنه يعتقد أن إسرائيل لا تزال تمضي قدمًا في خطتها لتهجير الفلسطينيين بشكل غير مباشر.
“إسرائيل لا تزال تخطط لإنشاء ميناء ومطار يخدمان أهدافها في غزة، وهي تسعى إلى إعادة هيكلة الواقع الديموغرافي في القطاع بما يخدم مصالحها الاستراتيجية”، يوضح حسين، مشيرًا إلى أن التصريحات الأميركية لن تغير كثيرا من الحقائق على الأرض ما لم تُترجم إلى خطوات ملموسة.