في هذا الصدد، سلط تقرير نشرته صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية، الضوء على تنامي سوق عقاقير إنقاص الوزن وإقبال المستهلكين عليها، بعد تقارير المشاهير والمؤثرين حولها، حتى أصبحت تطغى على ميزانياتهم وما ينفقونه من أموال سنوياً.
بحسب الصحيفة فإن عدد الأشخاص الذين يتناولون عقاقير إنقاص الوزن التي تحتوي على هرمون GLP-1، الذي يعمل في الدماغ على إضعاف الشهية وزيادة الإحساس بالشبع، ارتفع ليشكل 6 بالمئة من البالغين الأميركيين، مؤكدة أن قوتهم الشرائية الجماعية قادرة على إعادة تشكيل الاقتصاد بشكل عميق في السنوات المقبلة.
أشارت الصحيفة إلى التأثير الكبير لعقار السكري أوزيمبيك، وأدوية إنقاص الوزن الأخرى المشابهة والتي تنتمي جميعها إلى فئة تعرف بـGLP-1، مثل موجارو، ويجوفي، وزيببوند، مستدلة بتوقعات كبير خبراء الاقتصاد في غولدمان ساكس، جان هاتزيوس، الذي يقول إنه إذا تناول 60 مليون شخص هذه الأدوية بحلول العام 2028، فإن الناتج المحلي الإجمالي سوف يرتفع بنسبة 1 بالمئة إضافية، أو عدة تريليونات من الدولارات.
- Advertisement -
ونقلت الصحيفة عن الأستاذة المساعدة للاقتصاد في جامعة سنغافورة للإدارة، أليغوشا جانسن، والتي تدرس إنفاق المستهلكين الأميركيين المصابين بمرض السكري أو الذين يعانون من زيادة الوزن، قولها: “عندما نفكر في كيفية عمل الأدوية، فإنها تغير بشكل مباشر شراء الأغذية.. بالتالي هناك أيضاً تأثيرات جانبية على العديد من القطاعات”.
إنفاق أقل
وتُظهِر دراسة أجرتها جامعة كورنيل ونيوميريتور أن مستخدمي عقاقير السكري وإنقاص الوزن GLP-1 ينفقون أموالاً أقل في المقاهي وسلاسل الوجبات السريعة.
وترى شركة التدقيق الدولي، برايس ووتر هاوس كوبرز، أن اللياقة البدنية مفيدة لهذه المجموعة، حيث قال 35 بالمئة من مستخدمي عقاقير إنقاص الوزن ممن استطلعت آراؤهم الشركة إنهم يمارسون الرياضة لأول مرة أو أكثر من ذي قبل، و16 بالمئة استأجروا مدرباً شخصيًا لأول مرة أو يجرون هذه الجلسات أكثر من ذي قبل.
وكتب المؤلفون أن هناك “فرصة كبيرة” لدعم مستخدمي عقاقير إنقاص الوزن خلال هذه الفترة التحولية والاستفادة من تمكين سلوكياتهم الجديدة، وبالفعل بدأت الشركات في الإبلاغ عن التغيرات وتعديل خطوط منتجاتها وتسويقها لتتناسب مع ذلك.
- Advertisement -
وفي هذا السياق، كان الرئيس التنفيذي لشركة وول مارت، قد تحدث عن رؤية “تراجع طفيف في السلة الإجمالية” لمشتريات الطعام بين بعض المتسوقين، بينما أفاد متجر Rent the Runway، وهو متجر بيع ملابس عبر الإنترنت، أن العملاء يختارون أحجاماً أصغر وأنماطاً أكثر ملاءمة للجسم.
رهانات مختلفة
وفي خضم تلك المتغيرات، تراهن شركة مثل نستله على بدائل الوجبات والمغذيات لأولئك الذين يتناولون كميات أقل من الطعام، بينما ابتكرت شركتا CookUnity وDaily Harvest، اللتان تعملان على توصيل الوجبات، خطوط صديقة لهرمون تنظيم مستوى السكر بالدم GLP-1 تركز على الأطعمة الأصغر حجماً لكنها غنية بالسعرات الحرارية والبروتين.
وأشارت الصحيفة إلى تقرير حديث عن أدوية إنقاص الوزن GLP-1، حيث كتب محلل استراتيجية المستهلك والتجزئة في شركة KPMG، أندرو ليندسي: “لماذا لا تشتري شرائح لحم البقر عندما لا يكون لديك شهية إلا لبضعة أونصات من اللحم؟”، بما يسلط الضوء على جانب من تلك المتغيرات في نمط الاستهلاك الغذائي، وما لذلك من تأثيرات محتملة على شركات بعينها.
- Advertisement -
وأظهر تحليل أجرته شركة الأبحاث Grocery Doppio الكثير من الصعود والهبوط في الإنفاق على الطعام عبر الإنترنت على المستوى الوطني في الولايات المتحدة، مع زيادة مبيعات اللحوم الخالية من الدهون بنسبة 27 بالمئة في النصف الأول من عام 2024 مقارنة بنفس الفترة في عام 2023، بينما ارتفعت مبيعات الفواكه والخضروات الكاملة بنسبة 13 بالمئة.
وانخفضت مبيعات الوجبات الخفيفة والحلويات، والتي تشمل الشوكولاتة والحلوى والحلويات المغلفة بالسكر، بنسبة 52 بالمئة، بينما انخفضت مبيعات المخبوزات الجاهزة بنسبة 47 بالمئة.
قال كبير مسؤولي الرؤى في Grocery Doppio، جاراف بانت، إنه في حين شهدت الشركة في البداية انخفاضًا في أحجام سلة البقالة، إلا أنها قفزت مرة أخرى مع تحول المتسوقين نحو الأطعمة ذات الجودة الأعلى، مثل المنتجات العضوية والبروتين الممتاز.
ورجح بانت أن نسبة كبيرة من مستخدمي أدوية إنقاص الوزن، قد يزيدون في الواقع من إنفاقهم على المواد الغذائية بمرور الوقت.
خطر على المدى البعيد
من جانبه، أكد رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن أدوية إنقاص الوزن تشهد ارتفاعاً في الطلب، مشيراً إلى أن الشركات المرتبطة بها ارتفعت قيمة أسهمها وأصبح لديها قيم سوقية مرتفعة بشكل كبير.
وأوضح أن ارتفاع نسبة البدانة بين الأشخاص على مستوى العالم، جعل هناك طلباً كبير على سوق أدوية إنقاص الوزن، لكن هناك جانباً سلبياً لأن تلك الأدوية مرتفعة الثمن، ما يمثل خطراً على سوق هذه الأدوية على المدى الطويل.
وأشار إلى أنه على الرغم من أن الطلب على تلك الأدوية مرتفعاً إلا أنها ليست في متناول المستهلكين العاديين إذا ما لم تكن لديهم القدرة المالية على شرائها، وأن كثيراً من الأشخاص يذهبون إلى خبراء البدانة ليتعرفوا على بدائل لهذه الأدوية.
وأضاف أن في الوقت الحالي الطلب على أدوية إنقاص الوزن يرتفع مع زيادة البدانة العالمية، ولأن الأجيال الجديدة ليس لديها اهتمام بممارسة الرياضة ويتجهون دائماً نحو الحلول السريعة.
وحول تأثير تلك الأدوية على الاقتصادات، أوضح:
- كلما شهدت الشركات المصنعة تطوراً كبيراً وحققت أرباحًا كلما زاد حجم مبيعاتها من هذه الأدوية.
- الحكومات تحصل على بعض العوائد الضريبية الإيجابية.
- الضرائب المحصلة من شأنها أن تؤثر على حجم الاستهلاك بالقطاع الصحي.. فكلما كانت البدائل قليلة تصبح المشاكل الصحية أقل، ويقل أيضاً الانفاق الحكومي على الاستشفاء، ويخف الضغط على موازنات الدول.
مخاوف
لكن في السياق تبرز العديد من المخاوف حيال زخم تلك العقاقير، فقد أثارت البيانات الصادرة عن وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية في المملكة المتحدة قلقاً متزايداً بشأن أدوية فقدان الوزن وعلاج السكري، مثل أوزمبيك ومونجارو، بعد أن كشفت عن وفاة 82 شخصاً بنهاية يناير 2025. وأوضحت الإحصاءات أن
بحسب الوكالة، فإن 22 حالة وفاة كانت مرتبطة باستخدام هذه الحقن بهدف التخسيس، بينما ارتبطت 60 حالة أخرى بعلاج مرضى السكري من النوع الثاني. وهذه الأرقام تسلط الضوء على الجانب المظلم لهذه العلاجات التي يروج لها باعتبارها حلاً سحرياً لفقدان الوزن.
وفي تقرير لصحيفة “ذا تايمز”، فقد تم إدخال نحو 400 شخص إلى المستشفيات نتيجة مضاعفات خطيرة ناجمة عن استخدام هذه الحقن، مما يطرح تساؤلات جادة حول مدى التوازن بين الفوائد المحتملة والمخاطر الصحية المرتبطة بهذه العلاجات. ورغم هذه التحذيرات، فإن الإقبال على هذه الأدوية لا يزال في تصاعد، حيث تُقدّر هيئة موردي الأدوية بالجملة أن نحو نصف مليون بريطاني يستخدمونها.
عوامل أثرت على سوق أدوية إنقاص الوزن
من جانبه، أكد مدير مركز رؤية للدراسات الاقتصادية، بلال شعيب، أن سوق أدوية إنقاص الوزن تشهد نمواً ملحوظاً على المستوى العالمي خلال العقد الأخير، مشيراً في الوقت نفسه إلى حالة من الفوضى تسيطر على هذا القطاع، خاصة مع انتشار الدعاية غير المنضبطة عبر الإنترنت. وأوضح أن القوانين تجرّم استخدام هذه الأدوية دون إشراف طبي، ورغم ذلك، فإنها باتت تشكل سوقًا ضخمة ومتنامية.
وأشار شعيب إلى أن انتشار السمنة عالمياً مرتبط بعدة عوامل، بما في ذلك اعتماد شرائح واسعة من السكان على الوجبات السريعة والرخيصة، ما يزيد من معدلات السمنة والأمراض المزمنة المرتبطة بها.
وأضاف أن ارتفاع أرباح سوق أدوية إنقاص الوزن عالمياً يُعزى إلى زيادة عدد السكان وتفاقم مشكلة السمنة. ورجّح تضاعف هذه الأرباح مستقبلاً إذا لم تتدخل الحكومات لتحسين النمط الغذائي للسكان، ورفع مستويات المعيشة، ومحاربة التضخم.
كما أشار إلى أن:
- هذه السوق تشهد تنافساً محمومًا بين الشركات الكبرى، التي تسعى لتطوير منتجات أكثر فاعلية وأقل آثارًا جانبية، مما يدفعها لاستثمار مليارات الدولارات في الأبحاث والتطوير.
- هذا التوجه يعكس رغبة الشركات في تعزيز حصصها السوقية والاستفادة من الطلب المتزايد عالمياً.
- تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي لهذه السوق وحماية الصحة العامة يتطلب تعاوناً دولياً لوضع لوائح صارمة، وضمان الاستخدام الآمن لهذه العقاقير، مع رفع مستوى الوعي بين المستهلكين حول مخاطر الاعتماد العشوائي على أدوية إنقاص الوزن.