ويكتسي موضوع تعديل مدونة الأسرة أهمية كبرى في المملكة، حيث تعتبر المدونة بمثابة إصلاح رئيسي في تنظيم العلاقات الأسرية وحماية حقوق الأفراد.
وتم إقرار مدونة الأسرة في المغرب سنة 2004، وهي تشمل القوانين التي تنظم الزواج والطلاق والنفقة والحضانة والحقوق الزوجية بشكل عام، وغيرها.
وفي سبتمبر 2023، وجه العاهل المغربي الملك محمد السادس، الحكومة لإعادة النظر في مدونة الأسرة، بعد سنوات من مطالبات جمعيات نسائية بإدخال إصلاحات عليها بما يتماشى مع التطورات الاجتماعية والحقوقية.
- Advertisement -
139 مقترح تعديل
وكشف وزير العدل عبد اللطيف وهبي، خلال لقاء تواصلي في الرباط، الثلاثاء، عن أبرز التعديلات المقترحة لمراجعة مدونة الأسرة، التي عقدت بشأنها جلسة عمل ملكية، الإثنين.
وأوضح وهبي أن التعديلات اعتمدت بناء على مقترحات الهيئة المكلفة ورأي المجلس العلمي الأعلى، وأضاف أن الهيئة قدمت 139 مقترح تعديل، تغطي جميع جوانب المدونة.
تعدد الزوجات
- Advertisement -
ومن أبرز التعديلات المقترحة تلك المتعلقة بتعدد الزوجات، حيث سيتم إلزام الزوج بأخد رأي الزوجة عند توثيق عقد الزواج الثاني، لتحديد ما إذا كانت تشترط عدم الزواج عليها، وفي حال تضمين هذا الشرط في العقد فلا يمكن للزوج التعدد.
وفي حال عدم وجود هذا الشرط، فإن التعدد سيكون مقصورا على حالات استثنائية، مثل إصابة الزوجة الأولى بالعقم، أو مرض يمنع المعاشرة الزوجية، أو حالات أخرى يحددها القاضي وفق معايير قانونية موضوعية.
الحضانة والخطبة
- Advertisement -
وفيما يتعلق بالحضانة، فقد اقترح التعديل الجديد منحها بشكل مشترك للزوجين أثناء زواجهما، مع إمكانية استمرار هذا الحق بعد الطلاق في حال اتفق الطرفان.
كما تم تعزيز حق الأم المطلقة في حضانة أطفالها، حتى في حال زواجها مجددا، وضمان حقها في سكن المحضون، وفقا لما أعلنه وزير العدل.
وتضمنت التعديلات أيضا تنظيم ضوابط جديدة لزيارة المحضون أو السفر به، بما يضمن مصلحة الطفل.
ومن جانب آخر، تم اقتراح تقليص مدة البت في قضايا الطلاق إلى 6 أشهر كحد أقصى.
كما تنص تعديلات المدونة المقترحة على توثيق الخطبة واعتماد العقد كأداة رئيسية لإثبات الزواج، مع تحديد الحالات الاستثنائية التي يمكن فيها الاستناد إلى سماع دعوى الزيجة.
وفي خطوة أخرى، تم السماح للمغاربة المقيمين في الخارج بعقد الزواج من دون الحاجة لحضور الشاهديْن المسلميْن، وذلك في حالة تعذر حضورهما.
زواج القاصر والإرث
فيما يتعلق بـ “زواج القاصرين”، تم تحديد السن القانونية للزواج بـ18 سنة، مع إتاحة استثناء يسمح بالزواج في سن 17 سنة شريطة استيفاء شروط صارمة تهدف إلى ضمان حماية الأطراف المعنية.
أما فيما يتعلق بالإرث، فقد تم “اعتماد مقترح المجلس العلمي الأعلى المتعلق بإرث البنات”، الذي يتيح إمكانية هبة الأموال للوارثات على قيد الحياة، مع اعتبار الحيازة الحكمية كافية.
كما ينص التعديل الجديد على فتح المجال أمام الوصية والهبة بين الزوجين في حالات اختلاف الديانة.
تعديلات مهمة
ورحبت رئيسة جمعية التحدي والمساواة بشرى عبدو، بالتعديلات المقترحة على مدونة الأسرة، معتبرة إياها خطوة إيجابية نحو تحقيق عدد من المطالب المهمة.
وأشارت عبدو في تصريح لموقع “سكاي نيوز عربية”، إلى أن التعديلات أجابت على قضايا عدة، أبرزها تمكين الأم الحاضنة من النيابة القانونية على أطفالها، وإلغاء إسقاط حضانتها لهم في حال زواجها.
ولفتت أيضا إلى أهمية خطوة اعتبار عمل الزوجة المنزلي مساهمة في تنمية الأموال المكتسبة خلال قيام الزواج، وهو ما يعد تقدما في الاعتراف بدور المرأة في الأسرة.
وفيما يتعلق بالطلاق، أكدت عبدو أهمية التعديل الذي يميز بين الطلاق الاتفاقي والشقاق، حيث سيتم النص عليهما بشكل واضح في القانون، بدلا من تعدد أنواع الطلاق والإجراءات القانونية المعقدة التي كانت تثقل كاهل النساء والرجال على حد سواء.
كما أشادت عبدو بقرار إحداث هيئات للوساطة والصلح بهدف معالجة النزاعات الزوجية قبل اللجوء إلى القضاء وطلب الطلاق، معتبرة إياها خطوة مهمة نحو تقليل التوترات بين الأزواج وتسهيل تسوية النزاعات.
ومع ذلك، أشارت عبدو إلى “بعض النقاط التي لم تحظ بالاهتمام الكافي في التعديل” من وجهة نظرها، مثل عدم منع تعدد الزوجات بشكل واضح، وعدم أخذ الخبرة الجينية كشرط أساسي لإثبات النسب، فضلا عن مسألة التوارث بين الأزواج من ديانات مختلفة.
تجاوب مع المطالب
كما أكدت الناشطة الحقوقية البرلمانية السابقة رشيدة الطاهري، أهمية مجموعة من التعديلات المقترحة على مدونة الأسرة.
وأوضحت الطاهري في تصريح لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن من أبرز هذه التعديلات الولاية المشتركة بين الأبوين، والاستغناء عن شرط الشهود المسلمين في حالات زواج المغاربة المقيمين في الخارج، بالإضافة إلى إيقاف بيت الزوجة عن الدخول في التركة من خلال الاحتفاظ بالبيت للزوج الآخر في حال وفاة أحد الزوجين.
وقالت الطاهري إن هذه التعديلات “تمثل جزءا من مطالب الحركة الحقوقية والنسائية، التي تسعى إلى تحسين وضعية المرأة وضمان حقوقها بشكل أكبر”.
وأشارت إلى ضرورة الالتزام بما جاء في بلاغ الديوان الملكي، خاصة ما يتعلق بضمان المساواة والتضامن، والالتزام بالاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب في مجال حقوق الإنسان.
وشددت على أهمية صياغة هذه التعديلات في مواد قانونية دقيقة وواضحة، بحيث تكون قابلة للتنفيذ المباشر دون الحاجة إلى تدخلات أو تعقيدات قانونية.