هذا الإنجاز يُضاف إلى سجل الرئيس خافيير ميلي، الذي تصدّر المشهد بإصلاحات جذرية تهدف إلى إنهاء سنوات من الأزمات المتراكمة، فيما يُطرح تساؤلٌ جوهري حول قدرة هذه الإصلاحات على تحقيق نمو مستدام يُعزز مستويات المعيشة.
النمو بنسبة 3.9 بالمئة الذي شهده الناتج المحلي الإجمالي يُعد إنجازاً فارقاً مقارنةً بالفصول السابقة، حيث يكشف عن نجاح نسبي لاستراتيجيات ميلي في كبح جماح التضخم، وتحفيز قطاعات حيوية مثل الزراعة والتعدين. ومع ذلك، فإن هذا التحسن جاء على خلفية تحديات اجتماعية واقتصادية هائلة، بما في ذلك ارتفاع معدلات الفقر إلى مستويات غير مسبوقة. وبالتالي فإن التوازن بين السياسات التقشفية والنمو الاقتصادي المستدام يبدو مهمة شاقة تواجه الرئيس وفريقه خلال السنوات المقبلة.
وفيما يصبو الاقتصاد الأرجنتيني لتحقيق قفزة أخرى مع توقعات بنمو يصل إلى 5.2 بالمئة في العام 2025، تبقى التساؤلات قائمة حول استدامة هذا الانتعاش وسط معضلات اجتماعية وسياسية معقدة.. فهل سيتمكن ميلي من تحويل هذا الزخم إلى مسار مستقر يعزز ثقة المستثمرين ويحسّن حياة المواطنين؟ الإجابة تكمن في قدرة حكومته على تحقيق توافق بين إصلاحات السوق المفتوحة ومعالجة الآثار السلبية التي طالت الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع.
- Advertisement -
علامة فارقة
ويصف تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، خروج الأرجنتين من ركود حاد في الربع الثالث من العام، بأنه يشكل علامة فارقة في مساعي الرئيس الليبرالي خافيير ميلي لإنهاء الأزمة الاقتصادية المستمرة منذ فترة طويلة في البلاد.
- قالت وكالة الإحصاء الأرجنتينية يوم الاثنين إن الناتج المحلي الإجمالي توسع بنسبة 3.9 بالمئة من يوليو إلى سبتمبر على أساس موسمي مقارنة بالربع السابق، مما يمثل أول ربع نمو في الأرجنتين منذ دخولها في حالة ركود في أواخر عام 2023.
- بالمقارنة مع نفس الفترة من عام 2023، انخفض الناتج المحلي الإجمالي للربع الثالث بنسبة 2.1 بالمئة.
- يأتي هذا الانتعاش في الوقت الذي يحتفل فيه ميلي بمرور عام على توليه منصبه.
- خلال هذه الفترة أطلق الرئيس العنان لتخفيضات قوية في الإنفاق وحملة شرسة لإلغاء القيود التنظيمية.
- نجح البرنامج في خفض معدل التضخم السنوي في البلاد والذي تجاوز ثلاثة أرقام، وجعل ميلي واحداً من أبرز زعماء اليمين العالمي، وقد حصل على تأييدات متوهجة من أمثال الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب وواحد من أقرب مستشاريه، الملياردير إيلون موسك.
ويشير تقرير “فايننشال تايمز” إلى أن الأزمة الاقتصادية، التي نجمت إلى حد كبير عن استخدام الحكومات السابقة لطباعة النقود التي تغذي التضخم لتمويل الإنفاق، تفاقمت في الأشهر الأولى من رئاسة ميلي مع تفاقم التقشف والتضخم. وارتفع معدل الفقر في البلاد بمقدار 11 نقطة في النصف الأول من عام 2024 إلى 53 بالمئة.
وفي حين قال بنك جي بي مورغان إنه يتوقع انكماش اقتصاد الأرجنتين بنسبة 3 بالمئة هذا العام، فإنه يتوقع نموًا بنسبة 5.2 بالمئة في العام 2025. ومع ذلك، فإن هذا لن يعيد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى مستوى عام 2021 إلا عندما كان الاقتصاد يخرج من الوباء، وفق التقرير.
- Advertisement -
وجاء هذا التوسع مدفوعاً بانتعاش الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار الرأسمالي بعد انخفاض حاد في وقت سابق من هذا العام، واستمرار النمو القوي في الصادرات الزراعية والتعدينية. ولا يزال قطاعا التصنيع والبناء يعانيان من كساد عميق.
وحذر محللون من أن ميلي يجب أن يحقق نمواً مستداماً يبدأ في تعزيز مستويات معيشة الأرجنتينيين إذا كان يريد الفوز في انتخابات التجديد النصفي في أواخر عام 2025، حيث يأمل في توسيع الأقلية الضئيلة في حزبه لا ليبرتاد أفانزا في الكونغرس.
- Advertisement -
الخروج من الركود
من جابنه، يقول الباحث في العلاقات الدولية، المتخصص في شؤون أميركا اللاتينية، محمد عطيف، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن:
- الاقتصاد الأرجنتيني شهد تحسناً ملحوظاً، لا سيما خلال الربع الثالث من العام 2024، وذلك بفضل مجموعة من الاستراتيجيات وإجراءات الإصلاح الجذرية التي اتخذها الرئيس ا خافير ميلي لإخراج الاقتصاد من الركود الذي عانى منه.
- هذه الاستراتيجيات تضمنت تخفيضات كبيرة في الإنفاق الحكومي، وبنود الميزانية، إلى جانب تقليص الإنفاق الاجتماعي وتقليص عدد كبير من الموظفين في القطاعات الحكومية.
- كما ركز ميلي على تحرير السوق وتقليل القيود التنظيمية، مما عزز ثقة المستثمرين وأسهم في زيادة النشاط الاقتصادي.
ويشير إلى أن السيطرة على التضخم المفرض كانت من أولويات ميلي، والذي تبنّى سياسات نقدية صارمة أسفرت عن خفض معدل التضخم السنوي الذي كان يهدد الاقتصاد بمستوياته المرتفعة، موضحاً أنه رغم أن هذه الإصلاحات حققت استقراراً نسبياً للاقتصاد، إلا أنها ما زالت تواجه تحديات كبيرة، لا سيما في الجانب الاجتماعي.
ويضيف عطيف: الرئيس ميلي يسعى لتعزيز تعافي الاقتصاد من خلال خطوات مستقبلية تستهدف رفع معدل النمو الاقتصادي بنسبة تصل إلى 5 بالمئة في عام 2025، بالتركيز على قطاعات الزراعة والتعدين والبناء والتصنيع. ومع ذلك، تبقى مشكلة الفقر المرتفع تحدياً رئيسياً يستوجب وضع سياسات اجتماعية لدعم الفئات الأكثر تضرراً.
وفي ختام حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، يلفت الباحث إلى أن ميلي، بتوجهاته الليبرالية الرأسمالية المتأثرة بالنموذج الغربي، يركز على تحسين مناخ الأعمال وجذب الاستثمارات الأجنبية من خلال رفع القيود المفروضة على رأس المال والعملة. ويؤكد أن نجاح هذه السياسات مرتبط بقدرة الأرجنتين ع التكيف مع التحولات الاقتصاديه العالمية لضمان استدامة النمو الاقتصادي ع المدى الطويل.
وبالحديث عن التحديات، يشير تقرير الصحيفة البريطانية إلى أن ثمة تحديات كبيرة مستمرة تواجه حكومة ميلي، بما في ذلك رفع الضوابط المفروضة على رأس المال والعملة في الأرجنتين، والتي تعمل على ردع الاستثمار الأجنبي وتمنع البنك المركزي من بناء احتياطياته من العملة الصعبة.
ونقل التقرير عن مدير شركة إيكوجو الاستشارية في بوينس آيرس، سيباستيان مينيسكالدي، قوله إنه يتوقع أن يستمر الاقتصاد في النمو في العام 2025، “وإن كان بوتيرة أبطأ” من الانتعاش الأولي.
وأضاف: “هذا من شأنه أن يمنح ميلي رقماً قوياً يبلغ 5 بالمئة في العام المقبل.. لكن التأثير سيكون غير متساوٍ للغاية بين الصناعات ومجموعات العمال”.
رهان على ترامب
في سياق متصل، يشير تقرير لـ theconversation، إلى أن إعادة انتخاب دونالد ترامب في الولايات المتحدة، قد تكون أفضل ورقة في يد ميلي. وفي حين أن الأرجنتين شريك تجاري صغير، فإن ميلي سيستغل علاقته بالرئيس الأميركي المنتخب لإقناع صندوق النقد الدولي بتجديد ما تبقى من الديون البالغة 44 مليار دولار أميركي التي تم الحصول عليها في عام 2018 خلال فترة ولاية ترامب الأولى. وهناك حاجة إلى 10 مليارات دولار أخرى لتعزيز احتياطيات البنك المركزي الدولية التي تظل منخفضة بشكل حرج .
وسوف يكون هذا المصدر المالي حاسماً بالنسبة لميلي لكي يبدأ في رفع الضوابط المفروضة على رأس المال. وحينئذ فقط يمكن أن تترجم الاستقرار الاقتصادي إلى نمو مستدام، بحسب التقرير.
انتعاش ملحوظ
بدوره، يوضح خبير الاقتصاد الدولي، علي الإدريسي، في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن الاقتصاد الأرجنتيني شهد انتعاشاً ملحوظاً في الربع الثالث من عام 2024، حيث نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 3.9 بالمئة مقارنة بالربع السابق، مما يشير إلى خروج البلاد من ركود اقتصادي عميق.
ويوضح أن من بين أبرز الأسباب الرئيسية لهذا الانتعاش، ما يلي:
- إصلاحات اقتصادية جذرية: منذ توليه الرئاسة، قام خافيير ميلي بتنفيذ سياسات تقشفية صارمة، تضمنت خفضاً كبيراً في الإنفاق الحكومي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، مما ساعد في تحقيق التوازن المالي.
- السيطرة على التضخم: تمكنت الحكومة من خفض معدل التضخم السنوي الذي كان يتجاوز 200 بالمئة، وهو ما أسهم في استقرار الأسعار وزيادة ثقة المستثمرين.
- تحفيز القطاعات الإنتاجية: حققت قطاعات مثل الزراعة والتعدين نمواً كبيراً، ما انعكس إيجاباً على الناتج المحلي الإجمالي.
وفيما يتعلق بالسيناريوهات المرتقبة، يوضح أنه من الموقع استمرار النمو الاقتصادي، في وقت تشير فيه تقديرات إلى إمكانية تحقيق نمو يصل إلى 5.2 بالمئة في العام 2025، ما قد يعيد نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى مستويات عام 2021.
لكنه يفيد بأنه رغم التحسن الاقتصادي، ارتفعت معدلات الفقر إلى 53 بالمئة في النصف الأول من 2024، مما يُبرز الحاجة إلى معالجة الآثار الاجتماعية للإصلاحات الاقتصادية. كما يلفت في الوقت ذاته إلى أحد التحديات التي تواجه البلاد فيما يتعلق بحالة الاستقطاب السياسي، إذ قد تؤدي السياسات الصارمة إلى زيادة الاستقطاب السياسي والاحتجاجات، مما يتطلب من الحكومة تحقيق توازن بين الإصلاحات الاقتصادية والاستقرار الاجتماعي.