في هذا السياق، نقل تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، تحذيرات مسؤولين كبار من أن التوجه “المثير للقلق” نحو الحمائية الاقتصادية يهدد بعرقلة التعافي الاقتصادي العالمي، وذلك مع دخول السباق الرئاسي الأميركي أيامه الأخيرة. وفي تصريحات أدلوا بها على هامش الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي مع البنك الدولي في واشنطن هذا الأسبوع، عبر المسؤولون عن ارتياحهم إزاء المؤشرات التي تشير إلى أن الاقتصاد العالمي يسير على الطريق نحو هبوط ناعم، وتجنب الركود بعد أسوأ موجة من التضخم منذ جيل. ومع ذلك، حذروا من أن المخاطر السياسية المتصاعدة في الولايات المتحدة وأماكن أخرى تهدد التوقعات. المدير العام لبنك التسويات الدولية، أغوستين كارستينز، قال إن أية محاولة جديدة لعكس مسار العولمة والتراجع إلى سياسات الحماية التجارية سوف تكون مثيرة للقلق. وقد يؤدي هذا إلى ارتفاع الأسعار، وزيادة معدلات البطالة، وكبح النمو رئيس البنك المركزي الهولندي ورئيس مجلس الاستقرار المالي، كلاس نوت، أشار إلى أنه يرى “بعض مخاطر تصحيح الأسعار” في أسواق معينة بالنظر إلى “التناقض” بين المخاطر الجيوسياسية المتزايدة والتقييمات الحالية. يخشى بعض صناع السياسات أن يكون النظام العالمي القائم على القواعد الحالية والذي تجسده مؤسسات بريتون وودز ــ التي تحتفل هذا العام بالذكرى الثمانين لتأسيسها ــ معرضا لخطر الانقلاب. ويشير تقرير الصحيفة البريطانية إلى أنه مع تقارب دونالد ترامب وكامالا هاريس في استطلاعات الرأي ، قد يشهد أكبر اقتصاد في العالم تحولاً جذرياً في السياسة العام المقبل. تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية شاملة بنسبة 20 بالمئة على شركاء أميركا، فضلاً عن ضريبة بنسبة 60 بالمئة على الواردات الصينية، في حين يسعى إلى الترحيل الجماعي للمهاجرين غير المسجلين وتخفيضات ضريبية شاملة. تأثيرات واسعة المدى من جانبه، أكد خبير العلاقات الدولية والشؤون الأميركية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الدكتور أحمد سيد أحمد في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن: السياسات الحمائية التي يعتزم المرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب إعادة فرضها قد تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي. ترامب، خلال ولايته الأولى، فرض رسوماً جمركية على واردات الصلب والألومنيوم من الصين ودول أوروبية، ويخطط لزيادة هذه الرسوم في حال فوزه بالانتخابات. الرئيس الأميركي السابق يسعى لتقليل العجز التجاري الكبير بين الولايات المتحدة وكل من الصين وأوروبا.. ولهذا يهدف إلى خفض الواردات الصينية عبر فرض رسوم حمائية، ما قد يعزز تنافسية المنتجات الأميركية في السوق المحلية، ويدعم الصناعات الوطنية التي يَعِد بإعادة تنشيطها من خلال إعادة المصانع المتوقفة. ترامب يهدف إلى التصدي لما يسميه “الإغراق الصيني”، لا سيما في قطاع السيارات الكهربائية (..). وأكد أحمد أن هذه السياسات الحمائية ستثير تداعيات واسعة على الصعيد الدولي؛ إذ يُتوقع أن تشعل حرباً تجارية جديدة، خصوصاً بين الولايات المتحدة والصين، حيث قامت الأخيرة بالرد سابقاً على رسوم ترامب بفرض رسوم جمركية على السلع الأميركية، موضحاً أن ارتفاع الرسوم سيزيد من تكلفة السلع عالمياً، ويضغط على حركة التجارة الدولية. وأضاف: إن تصاعد حروب الرسوم الجمركية يتعارض مع أهداف منظمة التجارة العالمية، التي تعمل على تقليل الحواجز التجارية لتعزيز حركة التجارة بين الدول. وتوقع أن تدفع السياسات الحمائية إلى مزيد من العزلة الدولية، مما قد يثقل كاهل التجارة العالمية ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار في الأسواق الأميركية، الأمر الذي يتسبب بدوره في ضغوط على المستهلك الأميركي والاقتصاد العالمي على حد سواء. تقديرات صندوق النقد من جانبه، حاول صندوق النقد الدولي تحديد الضرر الذي قد تسببه حرب تجارية متبادلة تتضمن فرض تعريفات جمركية من قبل الولايات المتحدة وأوروبا والصين. تشير التقديرات إلى أن الاقتصاد العالمي من المقرر أن يتوسع بنسبة 3.2 بالمئة هذا العام والعام المقبل – ولكن الرسوم واسعة النطاق والإعفاءات الضريبية وتراجع الهجرة وارتفاع تكاليف الاقتراض قد تؤثر على الناتج بنسبة 0.8 بالمئة في العام المقبل 2025 و1.3 بالمئة أخرى في العام 2026. يتوقع خبراء الاقتصاد في مورغان ستانلي أن تؤدي خطة ترامب للرسوم الجمركية إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 1.4 بالمئة في الولايات المتحدة، في حين سترفع أسعار المستهلك بنسبة 0.9 بالمئة. تشير تقديرات مختبر الميزانية في جامعة ييل، وهو مركز لأبحاث السياسات، إلى أن النمو سوف يتأثر بنفس التأثير، ولكن بارتفاع حاد في الأسعار. ويقدرون أن التدابير التجارية التي اتخذها ترامب قد تكلف الأسر الأميركية ما يصل إلى 7600 دولار. وبالإضافة إلى عمليات الترحيل الجماعي، حذر رئيس الاقتصاد الكلي العالمي في شركة أموندي لإدارة الأصول، محمود برادان، من أن التوقعات قد تصبح أكثر قتامة. وقال “إذا كان لديك تأثير سلبي على النمو وكان هناك انخفاض في الأجور الحقيقية أو القدرة الشرائية للمستهلكين لأن الأسعار أعلى للسلع اليومية، فهذا بالنسبة لي يشبه الركود التضخمي”. النمو العالمي بدوره، قال الخبير الاقتصادي، الدكتور علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن: سياسات ترامب الحمائية قد تمثل تهديداً للاقتصاد العالمي، إذ تحمل تأثيرات سلبية على عدة محاور، أبرزها التجارة العالمية، والنمو الاقتصادي، والعلاقات الاقتصادية الدولية. السياسات الحمائية، مثل فرض الرسوم الجمركية المرتفعة وإجراءات مكافحة الإغراق، تهدف إلى حماية الصناعات المحلية، لكنها قد تؤدي إلى تراجع حجم التجارة العالمية. تصاعد النزاعات التجارية بين الولايات المتحدة ودول أخرى قد يشعل حرباً تجارية، تؤدي بدورها إلى رفع التكاليف وتقليل تدفق السلع والخدمات، مما يؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي وسلاسل التوريد الدولية. إعادة تشكيل سلاسل التوريد العالمية نتيجةً لهذه السياسات ستدفع الشركات متعددة الجنسيات إلى نقل الإنتاج أو تغيير مصادر التوريد لتجنب الرسوم الجمركية المرتفعة، ما يؤدي إلى زيادة التكاليف وانخفاض الكفاءة في التوزيع. يواجه العديد من الشركات تحديات كبيرة في تعديل عملياتها الإنتاجية، مما يؤثر على أرباحها وقدرتها على الاستثمار. وفيما يتعلق بالنمو الاقتصادي، توقع الإدريسي أن انخفاض حجم التجارة العالمية يمكن أن يتسبب في تباطؤ النمو الاقتصادي، خاصة بالنسبة للدول التي تعتمد على الصادرات لدفع عجلة النمو. وفي الولايات المتحدة، قد تؤدي هذه السياسات الحمائية إلى ارتفاع تكلفة المنتجات المحلية نتيجة زيادة أسعار المواد الخام المستوردة أو المنتجات التي تخضع للرسوم، مما يؤثر على القدرة الشرائية للمستهلكين الأميركيين. وأوضح الإدريسي كذلك أن هذه السياسات قد تُعمق التوترات الاقتصادية والدبلوماسية بين الدول، وتحد من التعاون الاقتصادي الدولي، مضيفاً أنها قد تدفع الدول المتضررة إلى فرض تدابير مضادة، مثل رسوم جمركية انتقامية، ما يزيد من عمق الأزمات التجارية ويعطل تدفق التجارة الحرة عالمياً. صعوبة التنفيذ وإلى ذلك، أفاد مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث ورئيس منتدى تطوير الفكر العربي للأبحاث، أبو بكر الديب، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، بأن السياسات الاقتصادية للمرشح الجمهوري دونالد ترامب، مثل فرض رسوم جمركية عالية، من الصعب تنفيذها بشكل كامل حتى في حال فوزه بالانتخابات، لكنها إن تم تنفيذ بعضها ستمثل ضغطاً كبيراً على الاقتصاد العالمي. وأضاف الديب أن توجّه ترامب نحو فرض رسوم جمركية على الواردات الصينية وغيرها، خصوصاً من الدول التي تهدد بترك الدولار كعملة احتياطية عالمية، سيؤدي إلى آثار سلبية مباشرة على هذه الدول. وأشار إلى أن المكسيك ودول الاتحاد الأوروبي وكندا ستكون من بين الدول الأكثر تضرراً في حال تنفيذ ترامب لهذه السياسات، في ظل اعتزامه فرض قيود على الاتفاقات الاقتصادية والتجارية، وكذلك سياسات الهجرة والجوانب الأخرى التي تمس التعاون الدولي.