واتهم محللون ومراقبون قيادات الجيش بالتغاضي عن إعادة القبض على تلك القيادات رغم تحركاتها العلنية، في وقت تتم فيه ملاحقة واعتقال سياسيين من تنظيمات أخرى رافضة للحرب المستمرة بين الجيش وقوات الدعم السريع منذ منتصف أبريل الحالي.
وانعقد خلال الأسبوعين الماضيين اجتماعان لفصيلان متنافسان داخل الحزب، يقود أحدهما عمر البشير، وأسفر عن تعيين مساعده أحمد هارون رئيسا للحزب، في حين رفض الفصيل الثاني الذي يقوده نافع علي نافع وهو مساعد سابق للبشير أيضا مخرجات الاجتماع وسعى لتنصيب إبراهيم محمود.
خروج غامض
- Advertisement -
في الواقع، خرجت معظم قيادات الفصيلين المشاركة في الاجتماعات من السجون في أعقاب اندلاع القتال في الخرطوم في منتصف أبريل 2023، وسط روايات متباينة عن الطريقة التي أخرجوا بها.
وعند اندلاع القتال كان البشير في إحدى المستشفيات العسكرية في أم درمان شمالي غرب الخرطوم مع اثنين من أعوانه، بعد تحويلهم من سجن كوبر شرقي الخرطوم، فيما كان هارون ونحو 14 آخرين من قيادات التنظيم، محتجزين في السجن.
وبعد الإطاحة بحكمهم الذي استمر 30 عاما، في أبريل 2019، اعتقل البشير وهارون وعدد من عناصر تنظيم الإخوان بتهم تصل عقوبتها للإعدام منها المشاركة في انقلاب 1989، كما يواجه البشير وهارون، تهما أمام المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية خلال حرب دارفور التي اندلعت في العام 2003 واستمرت نحو 17 عاما وشهدت أعمال قتل واغتصاب وحرق ونزوح ولجوء طالت أكثر من مليوني شخص.
ووفقا لروايات متداولة، فقد تم نقل البشير وعدد من أعوانه من المستشفى إلى مكان مجهول.
وبالنسبة للمحتجزين داخل سجن كوبر، تشير إحدى الروايات إلى أن قوة مسلحة تابعة للتنظيم اقتحمت السجن وأخرجتهم واقتحمت سجنا آخرا وأخرجت 28 ضابطا في جهاز الأمن كانوا ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام بعد إدانتهم قبل أحداث الخامس والعشرين من أكتوبر 2021، بتهمة قتل معلم بطريقة بشعة أثناء فترة الحراك الشعبي الذي انطلق في ديسمبر 2018.
- Advertisement -
لكن في أبريل الماضي، قال مدير عام السجون في السودان، إن إدارة سجن كوبر هي من سمحت بإخراج عناصر التنظيم من السجن بعد أيام من اندلاع القتال. وأوضح أن عملية إخراجهم تمت بعد توقيعهم على تعهدات بناء على أوامر من نائب رئيس القضاء.
حرية التحرك
- Advertisement -
رغم التهم الخطيرة الموجهة ضدهم، يتحرك بعض الذين شاركوا في الاجتماعات بحرية تامة في مناطق سيطرة الجيش.
وفي يناير الماضي، كشف أحد قادة التنظيم في مقطع فيديو موثق، عن لقاء أجراه معهم أحمد هارون في منطقة الجزيرة بوسط البلاد، بعد أشهر من اندلاع الحرب بهدف وضع خطط للتحشيد الشعبي.
وفي هذا السياق، يقول المعز حضرة، عضو هيئة الاتهام في قضية انقلاب 1989 والتي كان يحاكم فيها البشير وعدد من أعوانه المشاركين في الاجتماعات الأخيرة: “عناصر التنظيم الذين شاركوا في الاجتماعات الأخيرة جاءت بسبب السماح لهم بالتحرك بحرية كاملة، لذلك تقع المسؤلية على قائد الجيش والأجهزة التابعة له”.
ويوضح: “بعد انقلاب 25 أكتوبر ظهر عدد من عناصر التنظيم علانية في حين أنهم وفقا للقانون يجب أن يكونوا محتجزين في إحدى سجون المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش”.
ويضيف: “السماح لعناصر حزب محلول بعقد اجتماعات علنية في حين أنهم كانوا يحاكمون في قضية جنائية تتعلق بواحدة من أخطر الجرائم المنصوص عليها في القانون السوداني، هو انتهاك واضح”.
حماية الجيش
يلقي الكثير من المراقبين باللوم على قيادة الجيش لسماحه بتحركات عناصر تنظيم الإخوان، ويشيرون إلى أن تغلغل التنظيم داخل الجيش هو أحد أهم الأسباب التي وفرت المساحة الواسعة التي أتاحت لعناصر التنظيم الفارة من السجون تنظيم الاجتماعات الأخيرة.
ورغم انتقاد قائد الجيش عبدالفتاح البرهان نهاية الأسبوع الماضي اجتماعات التنظيم واعتبرها خطرا على البلاد، إلا أن مراقبين شككوا في تلك الانتقادات، مشيرين إلى تماهي الأجهزة الأمنية والعدلية مع التنظيم، مستندين إلى نفوذ التنظيم داخل الجيش.
واعتبر الكاتب والمحلل السياسي وائل محجوب تصريحات البرهان الأخيرة التي انتقد فيها انعقاد الاجتماع، “لا قيمة لها”، وتساءل: “إن كان البرهان معترضا على قيام الاجتماع، فلماذا ما يزال قادة الحزب من الهاربين من السجون طلقاء، ويحظون بالحماية من الأجهزة الرسمية، ويقودون التعبئة السياسية والحربية، ويمارسون النشاط السياسي؟”
وأضاف: “أين كانت الأجهزة الأمنية والعسكرية التي تمنع أي نشاط مدني وتعتقل وتلاحق من يقومون به؟”
وقال محجوب لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن انعقاد اجتماع التنظيم بمشاركة قادته الهاربين من السجون، والمطلوبين للعدالة المحلية والجنائية الدولية، “يجسد طبيعة المرحلة الحالية التي تمر بها البلاد، ويعبر عما تنطوي عليه هذه الحرب من مخططات متعددة”.
وحذر محجوب من تبعات سياسة التماهي مع التنظيم وواجهاته، وقال “ترك المجال مفتوحا أمام التنظيم يمثل تهديدا للقوى المدنية وخطرا داهما على مستقبل البلاد ووحدتها”.