وبحسب تقرير أعدته “فايننشال تايمز” واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” فإن قارة آسيا بما يشمل الدول الحليفة لأميركا، تستعد لدفع كلفة باهظة، مع تأكيد عودة رجل التعريفات إلى البيت الأبيض، فبناءً على الوعود والتصريحات التي أطلقها ترامب خلال حملته الانتخابية والتي تشمل التهديد بفرض رسوم جمركية شاملة على الصين، واتهام حلفاء مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان، بالاستفادة المجانية من القوة العسكرية الأميركية، يمكن استخلاص أن ما ينتظر آسيا في السنوات الأربع المقبلة، لن يكون سهلاً أو خالياً من التوترات مع أميركا. وقت عصيب للصين واقترح ترامب فرض رسوم جمركية شاملة، تزيد على 60 بالمئة على جميع الواردات الصينية، وهي خطوات من شأنها أن تضرب الاقتصاد الصيني المتعثر وترسل موجات صادمة عبر سلاسل التوريد العالمية. وإذا نفذ ترامب هذا الوعد الذي يعتبر من أشد الإجراءات صرامة ضد الصين، فإن ذلك من شأنه أن يخلق وقتاً عصيباً للغاية للعلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، كما قال ما وي، الباحث المشارك في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، وهي مؤسسة بحثية حكومية في بكين. فيما قدر محللو سيتي أنه في حال تطبيق هذا السيناريو المتطرف، ولم تتمكن بكين من تحويل جزء من تجارتها إلى الولايات المتحدة من خلال المرور بدول أخرى، فإن الرسوم الجمركية الجديدة بنسبة 60 في المئة من شأنها أن تخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني بنسبة 2.4 نقطة مئوية. فيتنام في دائرة عدم اليقين وبحسب توقعات أليشيا جارسيا هيريرو، كبيرة خبراء الاقتصاد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في مصرف Natixis، فإن اقتصادات أخرى سوف “تتعرض للضغط”، بسبب رفض ترامب السماح بإعادة توجيه تدفقات التجارة بين الولايات المتحدة والصين، عبر دول أخرى مثل فيتنام، حيث كشف تقرير أعدته “رويترز” واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن حالة من عدم اليقين تسود في فيتنام بعد فوز دونالد ترامب، فرغم أن الدولة الآسيوية كانت من أكبر المستفيدين من زيادة الرسوم الجمركية الأميركية على الصين، والتي بدأها ترامب في رئاسته الأولى، إلا أنها حالياً تواجه قلقاً متزايداً يرجع سببه إلى اعتماد الصين لفيتنام كموقع تجميع لبضائعها، في الوقت الذي وعد فيه ترامب بمنع بكين من إيصال بضائعها إلى أميركا من خلال المرور بدول أخرى. ويقول ليف شنايدر، رئيس شركة المحاماة الدولية “لوثر” في فيتنام، إن بلاده يمكن أن تكون بسهولة هدفاً للتدابير الحمائية الأميركية، علماً أن فيتنام تعد مصدراً رئيسياً للبضائع التي تستوردها الولايات المتحدة، وكان لديها فائض تجاري بقيمة 90 مليار دولار مع واشنطن حتى سبتمبر 2024، وهو رابع أكبر فائض بعد الصين والاتحاد الأوروبي والمكسيك، وهذا الفائض ناتج إلى حد كبير عن البضائع الصينية التي يتم جمعها على الأراضي الفيتنامية. تحالفات تقليدية تحت الخطر أما عندما يتعلق الأمر بالحلفاء الأكثر تقليدية لأميركا في آسيا مثل اليابان وكوريا الجنوبية، فيعتقد الخبراء أن تحالفات واشنطن مع سيول وطوكيو، ستواجه أيضاً حالة من عدم اليقين، حيث من المرجح أن تخضع الاتفاقات بين الأطراف لإعادة تفاوض، مع إعلان ترامب خلال جولاته الانتخابية أن الحلفاء يجب أن يدفعوا المزيد من المال، مشيراً إلى أنه يريد من كوريا الجنوبية التي يسميها “آلة المال” أن تدفع 10 مليارات دولار سنوياً لاستضافة القوات الأميركية في البلاد، في حين اتهم ترامب اليابان بالاستفادة المجانية من القوة العسكرية الأميركية. واليابان وكوريا الجنوبية حليفتان أمنيتان للولايات المتحدة في شمال شرق آسيا، حيث تخضع كل منهما لحماية القوة العسكرية الأميركية، بما في ذلك الأسلحة النووية، للتعامل مع تهديدات كوريا الشمالية. ويتمركز نحو 54 ألف جندي أميركي في اليابان، وأكثر من 28 ألف جندي أميركي في كوريا الجنوبية، بما في ذلك مجموعة هجومية بقيادة حاملة الطائرات يو إس إس جورج واشنطن، والتي تتمركز في اليابان. في عام 2022 وافقت اليابان على دفع 8.6 مليار دولار لتغطية تكلفة استضافة أكثر من 54 ألف جندي أميركي. وقبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، وافقت كوريا الجنوبية على زيادة مساهمتها لتغطية وجود الجنود الأميركيين على أراضيها إلى 1.52 تريليون وون (أكثر من مليار دولار) في عام 2026، بزيادة 8.3 في المئة عن الإنفاق المخطط له في عام 2025، ولكن يبدو أن ترامب يخطط للحصول على المزيد. تايوان تحت ضغوط ترامب وفيما يتعلق بتايوان، الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي وتلقى دعماً أميركياً في مواجهة الصين، تقول “فايننشال تايمز”، إن مخاطر السياسة الخارجية الأميركية خلال عهد ترامب ستكون الأعلى بالنسبة لتايوان، فقد دعا ترامب تايبيه إلى دفع ثمن الدفاع لواشنطن، مدعياً أن الولايات المتحدة “لا تختلف عن شركة تأمين” واشتكى من أن تايوان لا تعطي أميركا أي شيء. كما اتهم ترامب الشركات التايوانية بـ “سرقة” صناعة الرقائق الأميركية واقترح أن تعود شركة TSMC، أكبر شركة مصنعة لأشباه الموصلات في العالم، والتي تلقت مليارات الدولارات في شكل إعانات للاستثمارات الكبيرة في الولايات المتحدة، “إلى بلادها”. ورغم هذا الكلام، يعتقد معظم المسؤولين الحكوميين التايوانيين أن الإجماع الحزبي في واشنطن ضد بكين يشير إلى استمرار الدعم الأميركي لتايبيه. أكثر دولة آسيوية تضرراً ويقول الخبير الاقتصادي محمد سعد في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الحكومات والشركات الآسيوية تتأهب للتعامل مع تداعيات السياسة الاقتصادية لترامب، والتي ستؤدي إلى حدوث تغييرات جذرية في الاتفاقات التجارية مع أميركا، مشيراً إلى أن الخاسر الأكبر في آسيا من عودة ترامب ستكون الصين، حيث ستواجه التجارة في البلاد ضربة قوية، فترامب سيعمد أولاً إلى رفع التعريفات على البضائع الصينية للضغط على بكين في إتجاه التوصل إلى صفقة تجارية جديدة تكون لمصلحة أميركا، مؤكداً أنه حتى في حال التوصل لصفقة تجارية جديدة بين واشنطن وبكين فإن العلاقة التي تجمع الطرفين لن تستقر أبداً وستشهد توترات متتالية، وهذه التوترات لن تنحصر بالجانب الاقتصادي فقط بل ستشمل أيضاً الجانب التكنولوجي. ويشرح سعد أن ترامب يدرك جيداً أنه لا يستطيع إسقاط اقتصاد الصين بسهولة وهو لا يسعى إلى ذلك، بل يريد أن يلقي المزيد من الحصى في عجلات الصين، لمنعها من التفوق على أميركا، وبالتالي فإنه سيلجأ إلى إغراق الصناعة الصينية بالتعريفات الجمركية، في وقت يعتمد فيه اقتصاد البلاد على هذا القطاع، بسبب الصعوبات التي يعاني منها نتيجة أزمة العقارات في الصين. ضغوط مالية على الحلفاء ويرى سعد أن ترامب، واستناداً إلى طبيعته الصريحة، يركز في تعامله مع الدول الحليفة في آسيا، مثل تايوان وكوريا الجنوبية واليابان، على زيادة الضغوط للحصول على المزيد من الأموال، فوضع هذه الدول الثلاث مع أميركا يختلف تماماً عن وضع الصين، إذ أن الرئيس الأميركي المنتخب واضح جداً في هذا المجال، فهو يسعى إلى تحقيق مزيد من العوائد والنفوذ، مقابل الخدمات التي تقدمها بلاده، وهذا ما سيحصل عليه، فترامب لن يتخلى عن التحالفات القائمة في آسيا، بل يريد أن يرى حلفاءه يسعون لإثبات أن بلادهم تستحق استمرار الدعم الأميركي. رسوم مرتقبة على فيتنام وبحسب سعد فإن وضع فيتنام مع أميركا يبدو مختلفاً، حيث من المتوقع أن يسعى ترامب إلى معالجة العجز الكبير في الميزان التجاري مع فيتنام، من خلال فرض رسوم جمركية جديدة على الواردات الفيتنامية، خاصةً تلك التي يُشتبه بأنها تتضمن مكونات صينية تم تجميعها في فيتنام كوسيلة للالتفاف على الرسوم المفروضة على الصين، وبالإضافة إلى ذلك، قد يستخدم ترامب تكتيك التهديد بفرض عقوبات تجارية إذا لم تتخذ هانوي خطوات فورية لتقليل الفائض التجاري مع الولايات المتحدة، والذي قد يشمل ضغوطاً على الحكومة الفيتنامية لتشجيعها على فتح أسواقها بشكل أكبر أمام الشركات الأميركية، وتقليل العراقيل التي تواجهها الصادرات الأميركية في السوق الفيتنامي. وشدد سعد على أن سياسة ترامب الاقتصادية تعتمد على مبدأ “أميركا أولاً”، ما يعني أن أي خطوات يتخذها ستكون موجهة لضمان حماية المصالح الاقتصادية الأميركية، حتى لو أدى ذلك إلى توترات جديدة لأي شركاء تجاريين في العالم أجمع.