هذا الأمر الذي كان يُعتبر من الأمور المستحيلة بات واقعاً ملموساً، حيث أصبح بالإمكان استحضار النجوم الراحلين، ليعودوا للعمل من جديد، ويحققوا ملايين الدولارات بمساعدة من الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يبرز كقوة تغيير ثورية في عالم الترفيه.
وبحسب تقرير أعدته “بلومبرغ” واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، فقد أثبتت صناعة “المشاهير الموتى” أنها صناعة مربحة، في عالم تسيطر عليه تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة، فعادة عندما يموت أحد المشاهير، تتوقف عائدات خدماته الشخصية على الفور، ولا يتبقى لورثته سوى عائدات الملكية الفكرية، ولكن الآن ساعد الذكاء الاصطناعي على إعادة المشاهير الموتى إلى العمل مرة أخرى، وجعلهم يكسبون الملايين من الدولارات.
- Advertisement -
مشاهير موتى يحققون الملايين
فمثلاً ورغم أن النجم مايكل جاكسون كان مديناً بنحو 500 مليون دولار أميركي يوم وفاته، فقد تمكن ورثته من جمع ثروة تقدر بـ 2 مليار دولار، وذلك بفضل مشاريع مثل الموسيقى التصويرية، وحتى الألبومات التي صدرت بعد وفاته، فالتقدم في مجال الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا عامة، يعني أن الفنان الراحل مثل جاكسون لا يزال قادراً على توليد فن جديد.
والمفهوم نفسه ينطبق أيضاً على الممثل الأميركي جيمس دين، الذي انتهت مسيرته الفنية بشكل مأساوي في عام 1955 إثر حادث سير، لكن ورثته يحافظون على راتبه “حياً” من خلال الذكاء الاصطناعي، حيث تقوم شركة Worldwide XR حالياً بإنتاج فيلم من بطولته.
ويقول ترافيس كلويد، مؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة Worldwide XR إن عملية إنشاء ممثل رقمي لجيمس دين، تبدأ من قاعدة المواد المصدرية، أو ما يسمى بالأصول الموروثة للفنان، التي تشمل مختلف مقاطع الفيديو العائدة له، وحتى الفيديوهات العائلية الخاصة، حيث يتم تمرير هذه المقاطع لبرامج التعلم الآلي، العاملة بالذكاء الاصطناعي، التي تقوم بإنشاء نموذج رقمي للممثل.
وأشار إلى أن الإمكانات المتاحة لمشاريع الذكاء الاصطناعي في عالم الترفيه، ستصبح المحرك الرئيسي للدخل في السنوات الخمس المقبلة، حيث ستكون هناك فرص وفيرة للمشاهير، لتحقيق الدخل من إرثهم بطرق جديدة ومثيرة.
- Advertisement -
وربما يأتي أكبر اختبار للذكاء الاصطناعي في عالم الترفيه في الربيع المقبل، عندما ستعيد شركة Layered Reality ملك الروك آند رول إلفيس بريسلي إلى خشبة المسرح، من خلال عرض يحمل اسم Elvis Evolution.
فبحسب أندرو ماكغينيس، مؤسس Layered Reality، لم تكن إعادة بريسلي إلى المسرح في شكل صورة ثلاثية الأبعاد بالمهمة السهلة، حيث استغرق الأمر مئات الساعات من الأداء، ومقاطع الفيديو المنزلية لبريسلي، التي تم إدخالها في برنامج الذكاء الاصطناعي لإنشاء نسخة رقمية له.
بدورها قامت شركة ElevenLabs الناشئة، لاستنساخ الأصوات بالذكاء الاصطناعي، وكجزء من مشروع “الأصوات الأيقونية” التابع لها، بالحصول على موافقة ورثة المغنية والممثلة جودي جارلاند والممثل لورانس أوليفييه والممثل بيرت رينولدز، لاستخدام أصوات هؤلاء في قراءة الكتب والمقالات والمواد النصية الموجودة في تطبيق Reader.
- Advertisement -
وبحسب التقرير الذي أعدته “بلومبرغ”، واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، يقول مارك روسلر، محامي الملكية الفكرية، إنه عندما يموت أحد المشاهير، تنتهي عائدات خدماته الشخصية على الفور، ولا يتبقى لورثته سوى عائدات الملكية الفكرية، التي تتراجع في المتوسط بنسبة 10 في المئة سنوياً، ولكن الآن يمكن للعائدات أن ترتفع بفضل التغييرات التكنولوجية، مثل الذكاء الاصطناعي.
وكشف أن شركته CMG Worldwide Inc أبرمت حوالي 30 ألف صفقة بشأن حقوق الملكية الفكرية، نيابة عن أكثر من 3000 من المشاهير، معظمهم ميت.
رأي معارض
ورغم الإقبال الكبير الذي تشهده صناعة “المشاهير الموتى”، إلا أن هناك من هو غير مقتنع بهذا الموضوع.
حيث يرى جيف جامبول، الذي يدير شركة جامبول لإدارة تطوير وحفظ وتوسيع وتعزيز تراث الفنانين، أن الذكاء الاصطناعي غير قابل للتنفيذ في عالم الترفيه والفن، واصفاً هذه التكنولوجيا بأنها بدعة، تشبه الرموز غير القابلة للاستبدال، أو NFTs، وهو يعتقد أن من يستخدم هذه التكنولوجيا سيجد نفسه أمام مدفأة فارغة وباردة ومظلمة.
في حين تؤكد سفانا جيسلا، المنتجة المشاركة في فرقة آبا فوياج، أنها لم تستخدم الذكاء الاصطناعي في استنساخ المغنّين، لافتة إلى أن هناك مكاناً رئيسياً واحداً تفشل فيه هذه التكنولوجيا الجديدة، وهو غياب الاتصال العاطفي، حيث ترى أن الذكاء الاصطناعي لن يوفر هذا التواصل أو يحل محل الفنان بأي شكل من الأشكال.
ويقول الكاتب والمحلل في شؤون الذكاء الاصطناعي التوليدي ألان القارح، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن هناك حالياً طريقتين لصناعة فيلم جديد، فإما أن تقوم بتوظيف ممثل، أو يمكنك ومن خلال الذكاء الاصطناعي التوليدي إنشاء إنسان رقمي لأحد المشاهير المتوفين، مشيراً إلى أن هذا المفهوم ينطبق أيضاً على عالم الغناء، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي تكرار أصوات الفنانين المتوفين، بما يسمح بإنتاج أغانٍ جديدة لهم.
ويشرح القارح أنه يمكن لبرامج وأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، إعادة المشاهير الموتى إلى العمل مرة أخرى، من خلال عدة طرق.
فأولاً تقوم هذه الأدوات بتحليل البيانات الموجودة في الأعمال السابقة للمشاهير، لفهم أسلوبهم وأدائهم، مما يساعد في توليد محتوى جديد يتناسب مع شخصياتهم، وباستخدام تقنيات مثل Deepfake أو التزييف العميق، يقوم الذكاء الاصطناعي بتوليد صور وفيديوهات تتضمن هؤلاء المشاهير في سياقات جديدة، سواءٌ كانت أغاني جديدة أو مشاهد سينمائية.
كما أن تقنيات توليد الصوت عبر الذكاء الاصطناعي تتيح إمكانية إعادة إنتاج أصوات المشاهير الموتى بشكل دقيق، مما يجعل أداءهم بالأعمال الجديدة يبدو وكأنه صادر عنهم بالفعل.
الركيزة الأساسية التي يعتمد عليها الـ AI
وبحسب القارح فإن الركيزة الأساسية في طريقة إعادة المشاهير الموتى إلى العمل مرة أخرى، تعتمد على أعمالهم القديمة وطريقة تصرفاتهم في الحياة اليومية، حيث يقوم الذكاء الاصطناعي بدراسة كميات هائلة من البيانات، المتعلقة بسلوك هؤلاء، مثل الأفلام التي شاركوا فيها، والمقابلات والموسيقى وحتى تفاعلاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
وبعد تحليل هذه المعلومات واستخراج الأنماط اللغوية والعاطفية والسلوكية، يقوم الذكاء الاصطناعي بتوليد محتوى جديد يتماشى مع أسلوبهم الفريد، وعلى سبيل المثال، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتعلم كيفية استخدام المشاهير الموتى للغة، وأنماط النكتة أو حتى انفعالاتهم العاطفية، مما يعزز من مصداقية الأعمال الجديدة التي ينتجها لهم.
وشدد القارح على أن الذكاء الاصطناعي التوليدي، هو ثورة غيرت وستغيّر المفاهيم التقليدية في عالم الفن والترفيه، معتبراً أنه مع تزايد قدرات هذه التكنولوجيا سنشهد عودة المزيد من المشاهير الموتى إلى ساحة الفن بطريقة مبتكرة.
ومن جهتها، قالت الصحفية الاقتصادية باتريسيا جلاد في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن أي فنان على قيد الحياة حالياً، بات عليه التفكير جدياً في القرار الذي سيتخذه بشأن تركته، وما إذا كان سيسمح لورثته باستخدام الذكاء الاصطناعي، لإعادته إلى العمل مرة جديدة.
وأضاف أن ورثة المشاهير الذين توفوا قبل ظهور هذه التكنولوجيا، استفادوا من عدم وجود نص قانوني يمنعهم من استخدام الميراث بهذه الطريقة، لذلك فإن موضوع تركة المشاهير لم يعد يشمل فقط الأموال والعقارات وحقوق الملكية الفكرية، بل أيضاً موضوع العودة للعمل بعد الوفاة.
وتعتبر جلاد أن التحدي الأكبر في موضوع عودة المشاهير الموتى للعمل، هو ضمان احترام حقوقهم وميراثهم الفني، ومنع استغلال تقنيات الذكاء الاصطناعي لهذا الأمر.
وأضافت: “فإذا كان الفنان وورثته يريدون ذلك، فهذا الأمر يُعتبر مسموحا به ويحترم إرادتهم، أما بالنسبة لموضوع غياب الاتصال العاطفي، واعتبار البعض أن الذكاء الاصطناعي لن يوفر التواصل مع الفنان المتوفي بأي شكل من الأشكال، فهذا الواقع صحيح ومرده إلى أن الناس يدركون أن ما يشاهدونه أو يسمعونه هو غير حقيقي، وناتج عن شخص لم يعد موجوداً، فالتكنولوجيا ومهما تقدمت، تبقى عاجزة عن نقل التجارب العاطفية والتفاعل الإنساني الأصيل الذي كان يجسده الفنان أثناء حياته”.