وتأتي هذه الخطوة الجديدة المحتملة بعد أن ركزت أميركا جهودها السابقة، على استهداف السيارات الكهربائية صينية الصنع، لتنتقل المواجهة الآن إلى مختلف أنواع المركبات المتصلة بالإنترنت والمركبات ذاتية القيادة التي تستخدم برامجاً صينية المنشأ، وذلك ضمن إطار استراتيجية واشنطن لمعالجة المخاوف المتعلقة بتأثيرات تكنولوجيا المعلومات الصينية على الأمن القومي الأميركي.
وبحسب تقرير أعدته “بلومبرغ” واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، فإن مسؤولي إدارة بايدن، يخططون لاقتراح قيود على البرامج الإلكترونية الصينية، التي تستخدم في المركبات التي تباع في السوق الأميركية في أقرب وقت من هذا الشهر، حيث تم تجهيز العديد من السيارات الحديثة، سواء تلك التي تعمل بالغاز أو بالكهرباء أو بالمحروقات، بأجهزة تربطها بالإنترنت، مما يجعلها أهدافاً محتملة للاختراق.
والقيود الجديدة ستفرضها وزارة التجارة الأميركية، وستهدف إلى منع الشركات الصينية من جمع البيانات عن السائقين الأميركيين وإرسالها إلى الصين. كما ستمنع الموردين الصينيين من إنشاء موطئ قدم أكبر في الولايات المتحدة، مما يمنح صناعة السيارات الأميركية المجال لبناء سلسلة توريد خاصة بها للسيارات المتصلة بالإنترنت.
- Advertisement -
الشركات تطالب بفترة انتقالية
وقد يشمل اقتراح وزارة التجارة الأميركية فترة انتقالية تمنح شركات صناعة السيارات الوقت اللازم، للعثور على مصادر أو إمدادات بديلة، عن تلك التي تصنعها الصين، وفقاً لما نقلته بلومبرغ عن مصادر رفضت الكشف عن هويتها، نظراً لسرية المناقشات المتعلقة بهذا الموضوع، حيث لفتت هذه المصادر إلى أن الخطط ليست نهائية بعد، وأن شركات صناعة السيارات طلبت منحها الوقت لتعديل سلاسل التوريد الخاصة بها.
وفقاً لوثيقة حصلت عليها بلومبرغ، فقد استضاف مسؤولون أميركيون، اجتماعا الأسبوع الماضي ركز على المركبات المتصلة بالإنترنت، مع ممثلين من أستراليا وكندا وألمانيا والاتحاد الأوروبي والهند واليابان وكوريا الجنوبية وإسبانيا والمملكة المتحدة. وقال متحدث باسم وزارة التجارة الأميركية في بيان، إن الوزارة قلقة من المخاطر الأمنية الوطنية المرتبطة بالتقنيات، التي تجعل المركبات متصلة بالإنترنت، مشيراً إلى أن القاعدة الجديدة المقترحة ستركز على “أنظمة محددة مثيرة للقلق”.
كما أثيرت أسئلة أمنية أميركية حول تقنية Lidar، وهي تقنية الليزر التي تستخدمها السيارات ذاتية القيادة لرؤية الطرق وعلامات المرور والإشارات والعقبات، ولكن المصادر أكدت أن التدابير الجديدة ستركز في الوقت الحالي على البرامج والأنظمة التي تجمع بيانات المركبات، ولكنها قد تشمل أي أنظمة أخرى في جولة لاحقة من القيود.
- Advertisement -
قمع غير عادل
ورفض المسؤولون في بكين في السابق مزاعم الولايات المتحدة بشأن التهديد الأمني الناجم عن السيارات المصنوعة في الصين واتهموا إدارة بايدن بقمع الشركات الصينية بشكل غير عادل.
وبرزت الصين كقائدة في المركبات الكهربائية ومكونات السيارات الذكية، ويرجع ذلك جزئياً إلى الإعانات الحكومية الواسعة النطاق والدعم، إذ أصبحت شركات صناعة السيارات العالمية، تعتمد بشكل متزايد على الموردين الصينيين للتكنولوجيا اللازمة للمركبات المتصلة.
- Advertisement -
وتتمتع شركات السيارات الصينية مثل BYD بحضور محدود في الولايات المتحدة، بسبب التعريفات الجمركية بنسبة 27 في المئة، التي تم إقرارها في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، ليقوم الرئيس بايدن في مايو 2024 برفع حجم هذه التعريفات إلى أكثر من 100 في المئة.
احتدام الصراع في صناعة المركبات
ويقول محلل شؤون تطوير الأعمال والخبير بالمركبات زياد عيتاني، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الصراع يحتدم يوماً بعد يوم بين العملاقين الاميركي والصيني في مجال صناعة المركبات، فالولايات المتحدة تحاول التحكم بكل الخيوط اللازمة في أي ملف، والداعمون اللازمون لقراراتها موجودون، في حين أن الصين تمتلك فن ايجاد المخارج لأي قرارات لا تكون لصالحها، مشيراً إلى أن آخر القرارات الأميركية في هذا المجال، كانت رفع الضرائب على السيارات الكهربائية المستوردة من الصين، لترد الشركات الصينية بالتوسّع في أسواق جديدة في الشرق الأوسط عبر طرح مركبات بأسعار مخفضة في سبيل تغطية الفجوة المحتملة لتراجع حصتها السوقية من المبيعات.
ويؤكد عيتاني أن ما لم يكن في حسبان الصينيين، هو أن توسيع الولايات المتحدة دائرة المواجهة، عبر استهداف البرامج الصينية، التي يتم استخدامها في السيارات الذكية، فإقرارهكذا قيود ليس بالأمر السهل وله عواقب كبيرة على المديين القريب والبعيد، مشيراً إلى أنه على المدى القريب ستؤثر القيود على تحديثات الأنظمة و البرامج التي يستخدمها مالكو السيارات، أما على المدى البعيد فستؤثر على شتى صناع السيارات وعلى المشترين أيضاً.
ويرى عيتاني أنه يجب على مصنعي السيارات الآن، البحث عن بدائل مناسبة للبرامج الصينية، وهو ما يتطلب وقتاً وجهداً كبيريْن، فالتعديلات التي قد تطلبها الولايات المتحدة ستزيد من تكلفة البحث والتطوير في مجال برمجيات السيارات، مما سيؤدي إلى ارتفاع سعر السيارات، وبالتالي سيضطر المشتري لدفع مبالغ إضافية، ومن بين التأثيرات الأخرى، احتمال أن يتسبب هذا القرار في تأخير تسليمات السيارات، فارتفاع الطلب على الحساسات والرادارات والليدارات غير الصينية، قد يعيد الى الأذهان أزمة فورد عندما واجهت مشكلة البطء في تسلّم أشباه الموصلات منذ عدة أعوام، مما أدّى الى تأخر حاد في تسليم السيارات الى الوكلاء في كل دول العالم.
المتضرر الأكبر
وبحسب عيتاني فإن المتضرر الأكبر والأبرز من القيود الجديدة المحتملة، ستكون السيارات الصينية وخصوصاً شركات BYD و NIOلأنهما من أكثر الشركات استثماراً في مجال برامج السيارات الذكية، ومن ثم مرسيدس التي تعتمد على الصين، وخصوصاً أن الشركة الألمانية في المراحل الأخيرة من تجارب إحدى سياراتها في بكين، وبعدها مجموعة فولسفاجن ومن ثم المصنعين الآخرين، في حين أن الأقل تضرراً هم مصنعو السيارات الأميركيون، لافتاً إلى وجود بدلاء عن الصين في مجالات تطوير الأنظمة الذكية في أوروبا واليابان والولايات المتحدة.
ويكشف عيتاني أن الولايات المتحدة تلاحق الصين في مجال البرمجيات لعدة أسباب، فهي بالدرجة الأولى تخاف على أمنها وأمن مواطنيها، والعلماء الذين يعملون على أراضيها، وهي تسعى لحمايتهم من أي هجوم سيبراني محتمل، وإلى حجب المعلومات المهمة والحساسة عن الصين، والتي قد تقودها الى معلومات تجهلها، ما قد يعبّد لها الطريق للتربع على عرش التقدّم التكنولوجي، ومن الأهداف غير المُباشرة، التأسيس لإحداث شرخ بين صانعي السيارات والبرمجيات الصينية والمشترين لها، فإبعاد قسم كبير من المستهلكين عن الصين سيؤدي إلى تحسين الحصص السوقية للشركات الأميركية والأوروبية في السنوات المقبلة، وهذه النتائج لا تكون سريعة بل تظهر بعد خمس سنوات على الأقل، ولكن يبقى علينا الانتظار لمعرفة ما تخبئه الصين من ردود، إذا ما تم إقرار االقيود الأميركية الجديدة.
من جهته يقول تاجر السيارات محمد موسى في حديث لموقع “اقنصاد سكاي نيوز عربية”، إن أميركا تشعر بالقلق المتزايد إزاء “كنوز البيانات”، التي يمكن للبرامج المتصلة بالإنترنت أن تجمعها، فهذه البرامج تجمع كميات ضخمة من المعلومات الحساسة عن سائقيها، والمناطق والشوارع التي تسلكها، وهو ما تراه واشنطن عاملاً مساهماً في تسهيل التجسس على مواطنيها من قبل الصين، لافتاً إلى أن وزيرة التجارة الأميركية جينا ريموندو، كانت قدأعلنت منذ أشهر، أنها تشعر بالقلق من أن تنتهي البيانات التي تجمعها السيارات المتصلة بالإنترنت في أيدي بكين، وقد أشارت حينها إلى أن الصين تدرك جيداً المخاطر التي يمكن ان تتسبب بها هذه البرامج، ولذلك لجأت إلى حظر مرور سيارات شركة تسلا الأميركية بالقرب من التجمعات الحكومية والتجمعات المخصصة للاستخدام العسكري.
السيارات تعرف الكثير من المعلومات
ويؤكد موسى أن السيارات المتصلة بالإنترنت، يمكن أن تنتج ما يصل إلى 25 غيغابايت من البيانات في الساعة، وهي تعرف الكثير من المعلومات عن مالكيها، إذ تسجل أي حركة يقوم بها السائق، وتجمع معلومات بيومترية عنه، مثل بصمة الوجه أو بصمة العين، كما أن المركبات المتصلة بالإنترنت، يمكن لها تتبع الأماكن الذي يذهب إليها السائق، كاشفاً أن السيارات لديها مصدران رئيسيان لجمع البيانات، الأول، يتعلق بأجهزة الاستشعار الموجودة فيها، والثاني يرتبط بالأجهزة التي يجلبها السائقون والركاب إلى داخل السيارة، مثل الهواتف التي عندما يتم توصيلها عبر البلوتوث بأنظمة السيارة، فإنها تقوم بسحب جميع أنواع المعلومات من الهواتف.
ويعتبر موسى أن واشنطن وجدت أن الرسوم الجمركية لا تكفي وحدها، لمواجهة صعود صناعة السيارات الصينية، ولذلك انتقلت الآن إلى البرامج الصينية الموجودة في مختلف أنواع السيارات، وهو القرار الذي ستكون له انعكاسات كبيرة في السوق، متوقعاً أن يكون القرار المقبل هو منع السيارات الصينية من استخدام البرامج الأميركية.