فما هي حقيقة الجهة التي أشعلت الأزمة الأخيرة وما التداعيات المحتملة من اندلاع القتال هناك؟
تبادل طرفا القتال الاتهامات حول مسؤولية كسر “الهدنة غير المعلنة” حيث قال بيان، صادر عن الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع، إن قوات الجيش والحركات المسلحة المتحالفة معها شنت هجوماً على مواقعها في المدينة وأجبرتها على الدفاع عن نفسها، فيما نفى الجيش ذلك وألقى باللوم على الدعم السريع، لكن إفادات لناشطين وسكان في المدينة حصل عليها موقع “سكاي نيوز عربية” تقرب الصورة أكثر لحقيقة ما جرى خلال الساعات الماضية.
ووفقا لتقارير أولية فقد اسفرت الاشتباكات التي استمرت أكثر من 6 ساعات عن سقوط ما يزيد على 400 ما بين قتيل وجريح بينهم مدنيون ومقاتلون من الطرفين.
- Advertisement -
ماذا قال الطرفان؟
شددت قوات الدعم السريع، في بيانها المذكور أعلاه، على “حقها في الدفاع عن نفسها رغم التزامها منذ مارس بعدم التقدم نحو مقر قيادة الجيش في الفاشر استجابة لنداءات دولية ومحلية”.
ووفقا للبيان فقد كان الهجوم من 3 محاور، ما أدى إلى وقوع إصابات وسط المدنيين في الأحياء السكنية ومعسكرات النازحين وفرار الآلاف إلى خارج المدينة.
وقال البيان “تمسكت قوات الدعم السريع في الفاشر منذ بدء الحرب باتفاق وقف إطلاق النار مع الحركات المسلحة قبل انحياز البعض إلى الجيش، واستجابت لنداءات الإدارة الأهلية وأعيان المنطقة والمنظمات المحلية والدولية حفاظاً على أرواح المدنيين، ومارست أقصى درجات ضبط النفس حيث صدت 22 هجوماً خلال الأيام الماضية”.
وفي الجانب الآخر قال الجيش السوداني، إن الدعم السريع بادر بالهجوم ونفذ تدوين مدفعي ثقيل على أحياء مدنية.
- Advertisement -
وأوضح في بيان “هاجمت قوات الدعم السريع مواقع الجيش والحركات المسلحة في شرق المدينة وتخريب محطة الكهرباء وقصف الأحياء المتاخمة لمنطقة الهجوم بقذائف المدفعية مما أدى إلى سقوط قتلى وجرحى من المدنيين”.
روايات السكان
- Advertisement -
قال سكان محليون إنهم شاهدوا في ساعات الصباح الباكرة نحو 30 سيارة عسكرية تتحرك من الاتجاه الجنوبي والشرقي من المدينة نحو مناطق كانت تتمركز فيها قوات الدعم السريع منذ عدة أسابيع.
وفي تسجيل صوتي حصل عليه موقع سكاي نيوز عربية قال الناشط الدارفوري مالك إبراهيم حسن إن الاتجاه الجنوبي الشرقي للمدينة ظل منذ بدء التوتر تحت سيطرة قوات حركتي جبريل إبراهيم ومني أركي مناوي اللتان تقاتلان إلى جانب الجيش.
وأوضح “الفاشر تنقسم إلى عدة أجزاء حيث يخضع الجزء الجنوبي لسيطرة قوات جبريل ومناوي، كما يوجد فيه معسكر زمزم للاجئين وبعض تمركزات الشرطة، أما شمال الفاشر فتوجد فيه 3 حركات مسلحة موالية للجيش إضافة إلى معسكر نيفاشا للاجئين، في حين تتمركز قوات الجيش في الوسط بين المحورين إضافة إلى قيادة الفرقة والمناطق العسكرية الأخرى.. بينما تتواجد قوات الدعم السريع في الاتجاه الشرقي وجزء من الاتجاه الشمالي”.
وأشار حسن إلى أن أيا من المحاور الشمالي الشرقي أو الغربي أو الجنوب الغربي لم يحدث أن شهد اشتباكات منذ بدء التوتر، على عكس المحور الشرقي والجنوب الشرقي الذي تسيطر عليه قوات جبريل ومناوي، والتي بادرت بالهجوم على أحد ارتكازات الدعم السريع.
وقال حسن إن قوات الدعم السريع تمكنت من التصدي للهجوم ومن ثم تقدموا في مناطق جديدة لم تكن لديهم أي ارتكازات فيها.
حقيقة الموقف الميداني
قالت القوة المشتركة للحركات المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش إنها أجبرت قوات الدعم السريع على التراجع، لكن وفقا لشهود عيان فقد تمكنت قوات الدعم السريع من التقدم في عدد من أحياء ومناطق المدينة وسيطرت على عدد من ارتكازات الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش.
ورغم انخفاض حدة الاشتباكات في المدينة خلال الساعات الماضية إلا أن بعض المناطق لا تزال تشهد توترا شديدا وسط تقارير عن استمرار عمليات التحشيد في مؤشر على احتمال اندلاع اشتباكات أكبر لتأكيد السيطرة على المدينة الاستراتيجية والتي تعتبر الوحيدة في الإقليم التي لا يزال للجيش والحركات المسلحة المتحالفة معه وجود فيها.
ودفعت قوات الدعم السريع بآلاف المقاتلين المدججين بأسلحة خفيفة وثقيلة، في حين حشدت الحركات المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش أعدادا كبيرة من قواتها.
ويرى محللون أن الطرفين يحاولان تأكيد السيطرة على المدينة قبل حلول الخريف. وأشاروا إلى أن الجيش والحركات المتحالفة معه تسعى إلى تأمين آخر معاقلهم هناك، فيما يعني سقوط المدينة في يد الدعم السريع سيطرته بالكامل على الإقليم ويمهد الطريق نحو سقوط النهود والأبيض وبالتالي السيطرة على كامل الغرب وفتح الطريق المسفلت لوصول الإمدادات.
تداعيات محتملة
أشار محللون إلى أن تصاعد التوتر في الفاشر سيزيد من المطالب بتدخل دولي يوقف نزيف الدم ويضمن وصول المساعدات في ظل التردي الكبير في الأوضاع الإنسانية خصوصا في معسكرات النازحين التي تواجه نقصا حادا في الغذاء والدواء والمياه الصالحة للشرب.
وحذرت الأمم المتحدة الاسبوع الماضي من خروج الأوضاع في الفاشر عن السيطرة، وناشدت طرفي الحرب بوقف القتال وفتح الممرات الإنسانية لإنقاذ آلاف الجوعى المحاصرين في المدينة.
وتقول وكالات الأمم المتحدة إن الوقت ينفد لمنع المجاعة بسبب تصاعد الاشتباكات حول الفاشر، مما يعيق الجهود المبذولة لتقديم المساعدات المنقذة للحياة.
ومع اتساع رقعة الحرب، تشهد الفاشر مثل معظم أنحاء السودان الأخرى ترديا شديدا في الأوضاع الصحية والمعيشية وسط نقص حاد في المعينات الطبية والسلع والمواد الغذائية التي تضاعفت أسعار بعضها 3 مرات خلال الشهرين الماضيين.
وحذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، من خطورة الأوضاع الإنسانية، في ظل كارثة الجوع التي تحاصر أكثر من 25 مليون سوداني.
وقال البرنامج إنه يحتاج بشكل عاجل إلى وصول غير مقيد وضمانات أمنية لتقديم المساعدة للأسر التي تكافح من أجل البقاء وسط مستويات مدمرة من العنف.
يأتي هذا وسط مخاوف متصاعدة من أن يؤجج القتال الانقسامات في الإقليم في ظل التواجد الكثيف للحركات المسلحة التي تمثل اثنيات وعرقيات مختلفة. وعندما اندلعت الحرب الأهلية في دارفور في العام 2003، كانت هنالك 3 حركات رئيسية فقط لكنها سرعان ما بدأت في التشظي والتكاثر حتى وصلت في الوقت الحالي إلى أكثر من 87 مجموعة مسلحة.
وبعد توقيع اتفاقية السلام في جوبا في نهاية 2020؛ شكلت الحركات الدارفورية الموقعة ما عرف بـ”القوة المشتركة” لحماية المدنيين في إطار حزمة من الترتيبات الأمنية التي نصت عليها الاتفاقية، لكن تلك الحركات انقسمت بعد الحرب الحالية إلى حركات محايدة وهي الغالبية وأبرزها حركتي الهادي أبراهيم وأبوبكر حجر؛ فيما أعلنت 3 حركات انحيازها للجيش، وهي مجموعة تتبع لجبريل إبراهيم وزير المالية الحالي ومني أركي مناوي حاكم اقليم دارفور ومجموعة مصطفى تمبور.
وتكمن أبرز مخاوف خلافات الحركات المسلحة وانقساماتها الاثنية والمناطقية في الانتشار الكثيف للسلح بأيدي السكان والذي قدرته لجنة حكومية شكلت قبل أكثر من عامين بنحو مليوني قطعة.
حقائق
● تتزايد المخاوف من أن يؤدي القتال في الفاشر إلى سقوط المزيد من المدنيين ويؤجج الصراعات القبلية خصوصا في ظل الانقسامات الكبيرة بين الحركات المسلحة التي تكاثرت بشكل كبير.
● يشكل إقليم دارفور 20% من مساحة السودان ويضم نحو 14% من سكان البلاد البالغ عددهم نحو 42 مليون نسمة.
● تعتبر الفاشر واحدة من أهم المدن الاستراتيجية في الإقليم الذي يربط حدود السودان بكل من ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى.
● شهد إقليم دارفور حربا هي الأطول في القارة الأفريقية واستمرت منذ العام 2003 وأدت إلى مقتل 300 ألف شخص وتشريد الملايين.