في البداية، يمكن تبسيط مفهوم “الحوسبة الكمومية” بالإشارة إلى أن أجهزة الحاسوب الكمي هي آلات تستخدم بشكل واضح الظاهرة الفيزيائية الكمية لزيادة عمليات السرعة الحسابية بشكل يفوق قدرات أجهزة الكمبيوتر التقليدية.
تستخدم الحوسبة الكمومية مبادئ الفيزياء الكمومية لتطوير نماذج جديدة للحوسبة..وتختلف الحوسبة الكمومية عن الحوسبة التقليدية في كيفية تمثيل ومعالجة المعلومات. بدلاً من استخدام البتات (bits) التقليدية في الحوسبة الكلاسيكية، يستخدم الحاسوب الكمومي مفاهيم الكيوبتس (qubits)، وهي وحدات معالجة تستند إلى خصائص الفيزياء الكمومية.
تتيح الحوسبة الكمومية إمكانات أكبر بكثير من الحوسبة التقليدية في بعض المجالات.
- Advertisement -
وتسمح الحوسبة الكمومية بتنفيذ عمليات معينة، مثل البحث في القواعد الضخمة للبيانات أو الحسابات التي تكون معقدة جداً بطرق أسرع وأكثر كفاءة.
أحدث مؤشر حقيقي
وفي هذا السياق، تعد الصفقة التي أعلنت عنها أخيراً حكومتا أسترالية وولاية كوينزلاند، والتي تتعلق بتخصيص ما قيمته 940 مليون دولار أسترالي ( نحو620 مليون دولار أميركي) بهدف دعم تطوير حاسوب كمومي بالحجم الكامل بالقرب من مدينة بريسبان، بواسطة شركة “بي إس آي كوانتوم”، هي أحدث مؤشر حقيقي على أن الحلم السابق بنموذج جديد من الحوسبة يستفيد من السمات الفريدة لميكانيكا الكم الذي يمتد لعقود “يمكن أن يرى النور أخيراً”.
هذا ما ذكره تقرير لصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، اعتبر أن تقدم الحوسبة الكمومية يعيد الاستثمارات إلى القطاع، وسط موجة من الثقة المتزايدة به.
- Advertisement -
نقل التقرير عن رئيس القسم العلمي لدى شركة “بي إس آي كوانتوم”، بيت شادبولت، قوله إن النظام في أستراليا سيكون “أول جهاز يعبر بوابة الدخول ليصبح حاسوباً فعالاً بجدارة”، أي أنه أول نظام كمي في العالم ذي فائدة تجارية.
شادبولت ليس الوحيد الذي قدم تأكيدات واسعة إزاء جيل من الحواسيب التي من المقرر بناؤها قبل نهاية هذا العقد، وذلك بالنظر إلى الجهود المتسارعة نسبياً لتطوير مجال كان قد واجه جملة من العقبات منذ أن اقترح البروفيسور ريتشارد فاينمان فكرة الحوسبة الكمومية لأول مرة قبل 65 عاماً.
- كان أحد أبرز التحديات هو عدم استقرار البتات الكمومية، أو الكيوبت المستخدمة في الأجهزة الحالية إلى حد كبير، ولا تحتفظ بحالتها الكمومية سوى لفترات قصيرة جداً، مما يتسبب بـ “الضوضاء”. وبالتالي، تتراكم الأخطاء أثناء أي حساب كمي، ما يجعل الحاسوب عموماً غير فعال.
- قدمت أحدث التطورات في تصحيح الأخطاء، وهي تقنية لترميز المعلومات إلى كيوبت للتخفيف من المخاطر، وعوداً للتصدي لهذه المشكلة في وقت أسرع مما توقعه غالبية العاملين في الصناعة.
مستهدفات “آي بي إم”
- Advertisement -
ويشير تقرير الصحيفة البريطانية، إلى أنه من بين الشركات الأخرى التي ترمي إلى تحقيق إنجاز جديد في السباق الكمي هي شركة “آي بي إم”، التي تعمل على تطوير أنظمة كمومية منذ سنوات. وفي أواخر العام الماضي 2023، وضعت لأول مرة خارطة طريق للوصول إلى نظام عملي يعمل بكامل طاقته.
وهو ما أكده نائب رئيس قسم الحوسبة الكمومية لدى الشركة، جاي غامبيتا، والذي قال: “أعتقد بأن لدينا مساراً قابلاً للتطوير لإثبات وجود حاسوب كمي يتدارك الأخطاء بحلول العام 2029”.
ووفق مدير مركز المعلومات الكمومية بجامعة تكساس، سكوت آرونسون، فإنه “لم يسبق لأحد دمج نظام يحتوي على ملايين الكيوبت، كان أكبر عدد هو بضعة آلاف”.
تقنية ناشئة
من جانبه، يوضح استشاري العلوم الإدارية وتكنولوجيا المعلومات في G&K، عاصم جلال، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن:
- الحوسبة الكمية هي عبارة عن استخدام ميكانيكا الكم، وتختلف عن الاستخدام الحالي للحوسبة التقليدية، خاصة وأن الكمية تكون بقيم مختلفة وباحتمالات مختلفة وبالتالي نوعية الحسابات نظرياً التي تستطيع القيام بها أكثر وأعمق بمراحل وأسرع من الحسابات التي تقوم بها الحاسبات التقليدية.
- الحوسبة الكمية تتمتع بقدرات أكبر وحل مشاكل أكثر كجزء نظري، إلا أن تصنيعها ما يزال يمثل التحدي الأكبر حتى هذه اللحظة، خاصة وأننا لم نشهد منتجاً تجارياً اقتصادياً تستطيع المؤسسات تملكه حتى الآن.
- جميع المحاولات الحالية تتمثل في اختبارات عملية أكاديمية لم ترق إلى مستوى المنتج التجاري الموثوق به.
- الإمكانات النظرية لهذه التقنية مرتفعة، وتفتح آفاقاً جديدة لحل مشاكل باستخدام الحواسب لم نكن نستطيع حلها أخيراً.
ويتوقع استشاري العلوم الإدارية وتكنولوجيا المعلومات في G&K، أن يشهد المستقبل “على المدى المتوسط” مفاجآت على صعيد تطبيقات تجارية.
جهود مستمرة
وبالعودة لتقرير “فاينانشال تايمز” فإن الصحيفة تشير إلى أنه:
- لسنوات عديدة، بدت التنبؤات بالوقت المحدد الذي ستحقق فيه الحوسبة الكمومية الفائدة العملية “تطلعات ومساع لا طائل منها”.
- تبددت الآمال المتعلقة بالقدرة على برمجة جيل سابق لما يسمى بالأجهزة الصاخبة (وهي أنظمة ذات كيوبت غير مستقرة) الأمر الذي أدى إلى إنهاء واحدة من السبل المؤدية إلى التطبيق العملي.
- حتى بعض الإنجازات البحثية البارزة التي تبدو مهمة لم تؤد إلى النتائج المرجوة.
- ومع ذلك، يعتقد الكثيرون في الصناعة الآن بأنه خلال الأشهر الأخيرة، ظهر مسار واضح لبناء أنظمة واسعة النطاق من شأنها أن توفر فوائد فنية وتجارية ملموسة.
- أدت سلسلة من الإنجازات البحثية، بدءاً بجهود غوغل في العام الماضي، إلى إحراز تقدم هائل في تصحيح الأخطاء قبل سنوات مما كان متوقعاً.
- عززت نتائج الأبحاث التي توصلت إليها جامعة هارفارد ومجموعة “كيوإرا” ومقرها بوسطن في نهاية عام 2023، إلى جانب ورقة بحثية أصدرتها هذا العام مايكروسوف وشركة كوانتينوم ومقرها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، من التفاؤل.
وقال ستيف بريرلي، رئيس شركة “ريفرلين”، وهي شركة بريطانية ناشئة متخصصة في مجال الكم: “خلال العام الماضي، شهدنا قدراً كبيراً من التقدم في الصناعة، وخاصة فيما يتعلق بتصحيح الأخطاء”. وأضاف أن هذا أدى إلى خفض عدد الاكتشافات التقنية التي لا يزال يتعين تحقيقها، قائلاً: “لكن يبدو الأمر على نحو متزايد أشبه بمشكلة هندسية وليس مشكلة علمية”.
وتمثلت إحدى النتائج لذلك في سباق جديد لتوسيع نطاق أنظمة الأجهزة الكمومية الحالية لتتمكن من التعامل مع الخوارزميات الناجعة التي تعتقد شركات، مثل آي بي إم، أنها ستُنتج قريباً.
طفرة متوقعة
من جانبه، يوضح رئيس مجلس إدارة شركة سبايم سنس لابس، باسم بشري، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن:
- الحوسبة الكمومية أو الكمية هي تكنولوجيا جديدة لبناء معالجات CPU لأجهزة الكمبيوتر، وذلك عقب فترات طويلة من عمليات البحث والتطوير خضعت لها خلال الفترات الماضية.
- نتائج الأبحاث الجارية على ذلك التوجه تعكس مزيداً من الآمال بشأن القدرة على إنجاز معالجات قادرة على تنفيذ عمليات أكثر تعقيداً بمراحل كبيرة في فترات زمنية أقل كثيراً جداً عن تكنولوجيا معالجات الأجهزة الحالية.
- من المتوقع أن تبدأ كبرى الشركات المنتجة لمعالجات الكمبيوتر في ضخ استثمارات ضخمة في المرحلة المقبلة في ذلك المجال الحيوي، والذي من المتوقع أن يستغرق أعواماً أخرى للتطور والخروج إلى النور بقوة.
- الاستخدامات المتوقعة ستكون في مجال الذكاء الاصطناعي وتأمين البيانات وفك الشفرات المعقدة.
ويضيف: من الصعب تحديد قيم العوائد الاستثمارية المتوقعة من ذلك التوجه خلال المرحلة الحالية، إلا أنه يُعتقد بأنها ستكون ضخمة في ضوء حجم التطور الكبير الذي ستحققه مستقبلاً.
رهان استثنائي
ويشكل استثمار أستراليا في “بي إس آي”، في صورة أسهم بالشركة بالإضافة إلى المنح والقروض، رهاناً استثنائياً على الكيوبت المستندة إلى الفوتونات، بدلاً من الكيوبت فائقة التوصيل التي تستخدمها شركتا “آي بي إم” وغوغل.
وثبت أن الفوتونات توفر قاعدة مستقرة للنظام الكمي، ومع ذلك، نشرت شركة “بي إس آي” القليل من الأبحاث سابقاً لتظهر مدى التقدم الذي أحرزته لتجاوز العديد من تحديات المعدات الحاسوبية، وفق تقرير “فاينانشال تايمز”.
وفي محاولة لمكافحة تلك الشكوك، نشرت “بي إس آي” هذا الأسبوع أول ورقة بحثية توضح الخطوط العريضة لتطورات المعدات الحاسوبية التي ادعى شادبولت أنها وضعتها على الطريق الصحيح نحو إنشاء نظام عملي واسع النطاق بحلول نهاية العقد.
ومع تحول التركيز نحو التطبيق العملي لإنتاج أعداد كبيرة من الكيوبت والرقائق الكمومية، فضلاً عن الأجهزة الأخرى اللازمة لربطها معاً في أنظمة أكبر، تؤكد شركة “بي إس آي” كذلك على مزايا تقنية الفوتونات التي ستُسرع من تطويرها نظام يحتوي على مليون كيوبت مقارنة بالآخرين في الصناعة.
وعلى الرغم من التطلعات الجديدة، يعترف خبراء، بأن خططهم لتحقيق الحوسبة الكمومية المتكاملة قد تخرج عن مسارها الصحيح. كما أن التنبؤ بموعد حدوث اختراقات خوارزمية حتمية لجعل تصحيح الأخطاء عملياً يعد أكثر صعوبة من وضع خريطة طريق لتوسيع نطاق الأجهزة.
الذكاء الاصطناعي
بدوره، يقول خبير تكنولوجيا المعلومات، محمد الحارثي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- التكنولوجيا تشهد تحولات سريعة ومتسارعة.
- من بين التطورات الرئيسية التي تستحوذ على اهتمام العالم التقني هو تقدم الحوسبة الكمومية وتأثيرها على تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي.
- هذا التفاعل بين الحوسبة الكمومية والذكاء الاصطناعي يعد قاطرة رئيسية في تحقيق مستقبل تقني مبهر.
- الحوسبة الكمومية تلعب دوراً حاسماً في تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي؛ فهي توفر قدرات حسابية هائلة وتسرع عمليات المعالجة التي تفوق بكثير قدرات الأجهزة التقليدية.
- كما يمكن للحوسبة الكمومية تنفيذ عمليات معقدة بشكل أسرع وأكثر دقة، مما يمكنها من التعامل مع مجموعات ضخمة من البيانات وتحليلها بكفاءة فائقة.
- بفضل هذه القدرات، يمكن للحوسبة الكمومية تعزيز قدرات الذكاء الاصطناعي، كما تُحسّن الحوسبة الكمومية أداء الخوارزميات الأساسية للذكاء الاصطناعي، مثل التعلم العميق والتحليل الضخم للبيانات.
ويشير إلى أن ذلك يأتي أيضاً بالإضافة إلى قدرة الحوسبة الكمومية على حل المشاكل الصعبة التي تواجهها التقنيات التقليدية، مما يفتح آفاقًا جديدة لتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالات متعددة مثل الطب، والتجارة، والتصنيع، وغيرها.