تبزغ أهمية الاستثمار في قطاع التعدين، في دوره في تعزيز النمو الاقتصادي، وتحفيز التنمية المستدامة، من خلال الاستفادة من الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز والفحم والمعادن الثمينة، مما يسهم في تعزيز قدرة الدول على تلبية احتياجاتها الاقتصادية والطاقوية.
وفي هذا السياق، تشهد دول مجلس التعاون الخليجي اهتماماً متزايداً بقطاع التعدين، وذلك لما يزخر به من فرص استثمارية واسعة وفوائد اقتصادية جذابة. وقد بادرت هذه الدول إلى تبني استراتيجيات وخطط تنموية تهدف إلى تعزيز قطاع التعدين واستغلال الموارد الطبيعية بكفاءة وفعالية.
يوفر ذلك تنوعاً في الاقتصاد، في وقت تسعى فيه دول الخليج إلى تحقيق تنويع اقتصادي يعتمد على قطاعات متعددة، وقطاع التعدين يشكل جزءاً هاماً من هذه الاستراتيجية لتقليل الاعتماد على النفط.
- Advertisement -
في هذا السياق، ذكر تحقيق موسع نشرته صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، أخيراً، أن:
- دول الخليج، المتعطشة لتنويع اقتصاداتها بما يتجاوز الوقود الأحفوري، تُعيد توجيه عائدات النفط لتأمين النحاس والنيكل والمعادن الأخرى المستخدمة في خطوط نقل الطاقة والسيارات الكهربائية والطاقة المتجددة.
- الإمارات والسعودية من أهم هذه الدول.
- المملكة العربية السعودية تريد أن يسهم التعدين بمبلغ 75 مليار دولار في اقتصادها بحلول العام 2035، ارتفاعًا من 17 مليار دولار.
- سلطنة عمان بدأت في بناء ما يمكن أن يكون أكبر مصنع للصلب الأخضر في العالم، والذي يخطط لاستخدام خام الحديد من الكاميرون.
- في حين أن هيئة الاستثمار القطرية، صندوق الثروة السيادية للدولة الغنية بالغاز، هي الآن ثاني أكبر مساهم في شركة جلينكور (شركة بريطانية سويسرية متعددة الجنسيات للتجارة والتعدين ومقرها في بار ، سويسرا).
ونقلت الصحيفة عن المدير الإداري لشركة دراغومان، وهي شركة استشارية في مجال التعدين تعمل مع دول الخليج، توم هارلي، قوله:
- تتمتع المنطقة بإمكانات هائلة لإنشاء صناعة تعدين كبرى.
- السعوديون طموحون بشكل واضح للغاية.. حتى لو حققوا 60 بالمئة مما يسعون إليه، فسيكون ذلك هائلا.
ترتيبات بديلة
بالنسبة للدول الغنية بالموارد في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، فإن دخول هذه القوى (الخليجية) إلى ساحة معركة المعادن الحاسمة يعد بديلاً مرحبًا به لعقود من الترتيبات الاستغلالية المدعومة إما بالاستعمار الغربي أو الديون الصينية.
- Advertisement -
- تعتقد هذه الدول بأن البيع لدول الخليج يمكن أن يساعد في تجنب التوتر بين الولايات المتحدة والصين بشأن النحاس وخام الحديد والليثيوم.
- وبحسب تحقيق الصحيفة، فقد رحبت واشنطن بدور الخليج المتوسع في مجال التعدين؛ للمساعدة في كسر احتكار بكين لمعالجة المعادن الحيوية (..).
- بالنسبة لمجموعات التعدين الدولية التي تسعى أيضًا إلى التغلب على التوترات بين الولايات المتحدة والصين بشأن الموارد الطبيعية، يوفر الشرق الأوسط مكانًا محايدًا لمعالجة المعادن ورأس المال ومقار الشركات. فقد أعلنت شركة SRG Mining، وهي شركة تعدين للجرافيت، تعرضت لعاصفة سياسية في كندا بسبب خطة فاشلة للتعاون مع شركة C-One الصينية، في فبراير أنها ستنتقل إلى الإمارات العربية المتحدة.
فرص كبيرة للمنافسة عالمياً
في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، قال الأمين العام لمجلس الإمارات للمستثمرين بالخارج، جمال بن سيف الجروان:
- قيمة الاستثمارات المطلوبة في قطاع التعدين تصل إلى خمسة تريليونات دولار؛ لسد الفجوة عالمياً، ومن أجل تعزيز دعم المعادن الحرجة، جنباً إلى جنب وتطوير البنية التحتية والخدمات والتحول إلى الطاقة المتجددة وتحقيق الحياد الكربوني.
- في الخليج، يمثل قطاع الثروة التعدينية فرصة كبيرة للمنافسة عالمياً، والاستحواذ على حصة كبيرة من أسواق إنتاج وتصدير المعادن على المستوى العالمي.
- دول مجلس التعاون تتمتع باحتياطات كبيرة من الثروات الطبيعية (سواء كانت في باطن الأرض وعلى سطحها وثروة هائلة من المعادن والصخور الصناعية).
- الاستثمار في تلك الثروات يشكل فرصاً واعدة ومجدية اقتصادياً، وذلك لوفرة هذه الخامات ووجود البنية التحتية المتطورة، علاوة على تواجدها قرب الموانئ البحرية، بما يسهل تصديرها عند عملية التعدين.. كذلك يمكن تصنيعها محلياً دعماً للتكامل الاقتصادي والإنتاجي المشترك لدول الخليج لتكون من كبرى صناعات التعدين.
وأشار الأمين العام لمجلس الإمارات للمستثمرين بالخارج، إلى قدرة منطقة الخليج على أن تصبح مركزاً لوجستياً لقطاع المعادن على نحو يُعزز النشاط الاقتصادي بها، علاوة على معالجة مشكلات سلاسل الإمداد التي يعانيها العالم حالياً في مجال المواد الخام المعدنية؛ بسبب التقلبات الجيوسياسية العالمية.
- Advertisement -
عائدات الوقود الأحفوري
وأورد تحقيق الصحيفة البريطانية، أنه:
- مع حصول دول الخليج على 400 مليار دولار من عائدات الوقود الأحفوري سنويًا، وفيما تواجه مستقبلًا حيث سيتم التخلص التدريجي من الهيدروكربونات، فإن التوسع في التعدين يعد خطوة منطقية.
- في الوقت نفسه، تستثمر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بكثافة في التقنيات الجديدة، وسوف تحتاجان إلى الوصول إلى إمداداتهما الثابتة من المواد الخام.
ونقلت الصحيفة عن الشريك في بيكر ماكنزي، ريتشارد بلانت، قوله:
- إن الشرق الأوسط يتطلع إلى التنويع ولديه موارد مالية كبيرة.
- لديهم هذه الميزة الهائلة حيث يمكنهم عقد صفقات بين الحكومات، ولديهم رأس مال صبور دون الحاجة إلى الضغط الدبلوماسي الذي ينطوي عليه الاختيار بين المستثمرين الصينيين والغربيين.
وفي معرض حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، يشير الجروان، إلى أن:
- الاستثمار الخليجي في قطاع المعادن يعتبر واحداً من القطاعات الاستراتيجية المهمة في تنمية الاقتصاد ووسيلة لتنويع الدخل وتدفق العائدات المستقبلية وبناء القدرات؛ وللتجهيز لمرحلة ما بعد النفط والذي يأتي معظم عائداتها منه بنحو 400 مليار دولار.
- الدول الخليجية تستثمر بالفعل في تعدين النحاس والنيكل والألمونيوم والصلب وغيرها من المعادن؛ بهدف تأمين الموارد المطلوبة لإنتاج الطاقة النظيفة وتنويع اقتصاداتها بعيداً عن قطاع النفط والحد من انتشار الكربون، وغيرها من الإجراءات التي من شأنها الحد من استخدامات النفط وتحقيق أهداف الطاقة النظيفة والمتجددة؛ فضلاً عن فرص يمكن تطويرها واغتنام هذه الفرص في الاستفادة من التقنيات الحديثة، والابتكار في عمليات اكتشاف واستخراج المعادن.
رؤية 2030
وبموجب “رؤية 2030” التي أطلقها ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان لتحديث اقتصاد المملكة العربية السعودية، من المقرر أن يصبح التعدين ومعالجة المعادن “الركيزة” الصناعية الثالثة بجانب النفط والغاز والبتروكيماويات.
تستعد المملكة العربية السعودية لاستغلال ما تقدر قيمته بـ 2.5 تريليون دولار من الأصول المعدنية المحلية بمساعدة أكبر مصدر للنفط في العالم، أرامكو السعودية، إلى جانب مجموعة التعدين الحكومية “معادن”. لكن جني ثمار الاستكشاف سيستغرق سنوات، إن لم يكن أكثر من عقد من الزمن.
وقال محافظ صندوق الاستثمارات العامة السعودي، ياسر الرميان، في مؤتمر التعدين لمنتدى مستقبل المعادن في الرياض في يناير الماضي: “لدينا الآن أكبر برنامج تنقيب في العالم.. لكننا لا نملك جميع أنواع المعادن التي نحتاجها لمبادراتنا المستقبلية”.
ولمعالجة ذلك، تهدف المملكة إلى تأمين النحاس وخام الحديد والليثيوم والنيكل من الخارج لمعالجتها محليًا من خلال شركة منارة للمعادن، وهو مشروع مشترك تم إنشاؤه العام الماضي بين معادن وصندوق الاستثمارات العامة.
استثمارات أكثر خطورة
ويشير تحقيق الصحيفة البريطانية، إلى أن النقد الخليجي والغطاء السياسي لعمالقة الصناعة سيسمح بالقيام باستثمارات أكثر خطورة؛ على سبيل المثال، تسعى شركة باريك غولد، ثاني أكبر منتج للذهب في العالم، إلى جذب الاهتمام السعودي والقطري في مشروع للنحاس بقيمة 7 مليارات دولار في مقاطعة غرب باكستان التي تعاني من المتمردين – وهو نوع من البيئة الخطرة التي يتجنبها معظم المستثمرين.
ويقول الرئيس التنفيذي لشركة باريك غولد، مارك بريستو، إن طلب مديري الصناديق الغربية توزيعات الأرباح “أضعف” شهية الصناعة للنمو، مما ترك قطاع التعدين يائسا للحصول على تمويل طويل الأجل. ويضيف أن مشاركة الخليج “ستساعدنا على فتح الحدود”.
من خلال هذه الاستثمارات، تأمل المملكة أن تضع نفسها في مركز “منطقة عظمى” تمتد عبر أفريقيا وآسيا الوسطى وجنوب آسيا.
- في يناير الماضي وقعت السعودية اتفاقات لاستكشاف مشاريع التعدين مع مصر وروسيا والمغرب وجمهورية الكونغو الديمقراطية.
- من خلال استخدام طاقتها الرخيصة والوفيرة، يمكنها معالجة المواد الخام القادمة من الدول الغنية بالموارد المتعطشة للتمويل لتصنيع منتجات مثل الصلب أو السيارات الكهربائية للأسواق الاستهلاكية سريعة النمو في الهند، على سبيل المثال.
أهداف إماراتية استراتيجية
كما تحرص دولة الإمارات العربية المتحدة على تعزيز أهدافها الاستراتيجية من خلال التعدين. وقال وزير الدولة الإماراتي للتجارة الخارجية، ثاني بن أحمد الزيودي، إن الإمارات تسعى إلى التعاون بين الحكومات في مجال المعادن، وإن هناك “الكثير من التركيز على القارة الأفريقية”.
تتمتع دبي، وهي مركز رئيسي لتجارة المعادن الثمينة، بالفعل بموطئ قدم كبير في الموانئ والشبكة اللوجستية في أفريقيا، والتي ترتبط حظوظها ارتباطًا وثيقًا بالسلع.
وقد فازت موانئ دبي العالمية المملوكة لحكومة دبي بامتيازات ميناء في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وأخيراً ميناء دار السلام في تنزانيا، وهو منعطف حاسم لشحن النحاس من زيمبابوي وزامبيا.
بنية تحتية قوية
وتطرق الأمين العام لمجلس الإمارات للمستثمرين بالخارج بالحديث عن دولة الإمارات، مؤكداً أنها تتمتع ببنية تحتية قوية وموقع جغرافي استراتيجي يسهل عمليات التصدير والاستيراد في هذا القطاع، والذي يسهم تطور الاستثمار فيه في تعزيز الاقتصاد المحلي وزيادة التنافسية العالمية، كما يقوم عليه عدداً من الصناعات الأساسية مثل مواد البناء حالياً ومستقبلاً.
وأوضح أن دولة الإمارات تعمل على خلق شراكات في قطاع التعدين مع حكومات عديد من الدول في أفريقيا وأميركا اللاتينية، كما تمتلك شبكة واسعة من الموانئ، والمراكز اللوجستية عبر قارة أفريقيا تجعل دبي مركزاً رئيسياً لتجارة المعادن الثمينة.
وعلى صعيد أفريقيا، أشار إلى أنها تمتلك نحو 30 بالمئة من الاحتياطات المعدنية في العالم، والتي يعد الكثير منها ضرورياً للتقنيات المتقدمة ومنخفضة الكربون، خاصة وأن تحقيق الاستدامة والابتكار في هذا القطاع يعتبر ضرورياً للنمو المستقر والمستدام، لذلك تقوم الإمارات باتخاذ خطوات رائدة في هذا المجال من خلال تبني التكنولوجيا الحديثة وتعزيز الابتكار والبحث العلمي.
علاوة على ذلك، فإنه ذكر شركة الإمارات العالمية للألمنيوم أكبر شركة منتجة “للألمنيوم عالي الجودة” في العالم، وأكبر شركة صناعية في دولة الإمارات خارج قطاع النفط والغاز، وهي استثمار مشترك بين شركة مبادلة للاستثمار في أبوظبي ومؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية في دبي، وتصنع الشركة واحداً من كل 25 طن ألمنيوم في العالم بما يمثل 4 بالمئة من إجمالي الإنتاج العالمي للألمنيوم ونصف الألمنيوم المصنوع في دول الخليج العربي.
وفي تصريحاته لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، شدد الجروان على أهمية:
- الاستفادة من الميزات التنافسية الطبيعية للخليج.
- خلق شراكات بين الحكومات والقطاع الخاص.
- أيضاً توفير التمويلات اللازمة لهذا القطاع بشكل عام.
وأشار إلى أن ذلك يدعم قطاع المعادن أن يشهد تطوراً إيجابياً وزيادة في الاستثمارات في المستقبل، سواء في إفريقيا أو في وجهات أخرى مثل دول أميركا اللاتينية أو دول آسيا الوسطى، وذلك نتيجة للعوامل الاقتصادية والتكنولوجية والسياسية التي تؤثر على هذا القطاع.
وكما هو الحال مع الصين، تعد دول الخليج الدول الغنية بالموارد بحزمة استثمارية تتمحور حول التعدين (..). ونقلت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، عن الرئيس التنفيذي لشركة جوبيلي ميتالز ( وهي شركة تعدين مدرجة في لندن تتعاون مع شركة IRH لمعالجة النحاس من مواد النفايات في موباني)، ليون كويتزر، قوله: “يمكنهم الجمع بين كونسورتيوم من الاستثمار في البنية التحتية والطاقة والصحة والخدمات اللوجستية إلى جانب التعدين”. ويضيف أن توفير “نظام بيئي للاستثمار” له أهمية خاصة بالنسبة للبلدان الأفريقية.
الثروات المعدنية
من جانبه، قال المحلل المالي وعضو المجلس الاستشاري الوطني لمعهد CISI في الإمارات، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن:
- الثروات المعدنية في المنطقة العربية جديرة بالاهتمام.
- ربما تاريخياً شهدت المنطقة تركيزاً أوسع على النفط والغاز، وهو ما تسبب في إهمال بقية المعادن المهمة التي تتمتع بها المنطقة العربية.
- معظم الدول تمتلك احتياطات مختلفة من المعادن.
- المملكة العربية السعودية تمتلك توجهاً واضحاً واهتماماً على صعيد الاستثمار في المعادن، والذي يعد توجهاً إيجابياً ليس فقط على صعيد القطاع الحكومي بل علي صعيد القطاع الخاص.
- دول مثل ليبيا والجزائر والعراق تتمتع بفرص هامة جداً في قطاع المعادن على وجه التحديد.. هذه الفرص تحتاج إلى استثمارات، وهو ما يتطلب ضرورة وجود صناديق استثمارية عربية قادرة على الدخول في هذا المجال الهام والذي يمثل تنوعاً مهماً إضافياً لمختلف الصناديق الاستثمارية.
وأكد أن المرحلة الحالية تتطلب تنوعاً إقليمياً محلياً على صعيد توجهات سياسات صناديق الاستثمار، وهو ما يبرزه مبادرة صندوق الاستثمارات العامة السعودي بشكل خاص والذي يتمتع بنشاط في السوق المحلية وسبقاً عن الصناديق التي تركز على مجال الاستثمار في المعادن.
وأوضح أن أفريقيا مازالت تعد كنزاً في ذلك القطاع الهام، وتزخر بفرص استثمارية كبيرة أمام الصناديق والاستثمارات الخليجية لدخول مجال الاستثمار في المعادن في تلك الدول، تدعمها العلاقات التاريخية الجيدة مع الدول الأفريقية والقبول الكبير للاستثمارات الخليجية والعرب في أفريقيا.
وشدد على ضرورة سرعة العمل على اقتناص هذه الفرص المتاحة؛ خاصة وأن الاستثمار في المعادن يتخذ مسار صاعد بالتزامن مع استخدام التكنولوجيا.