عندما خلد السودانيون للنوم مساء الجمعة الرابع عشر من أبريل 2023، كانوا ينتظرون بفارغ الصبر الانطلاق إلى الشوارع في صبيحة اليوم التالي للاحتفال بتوقيع منتظر على اتفاق ينهي الأزمة السياسية المستمرة منذ وقوع انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021، لكنهم استيقظوا – قبل 4 ساعات من الموعد المنتظر – على أصوات الرصاص المنهمر من منطقة المدينة الرياضية بجنوب العاصمة الخرطوم، مما طرح سؤالا حول الجهة التي أطلقت الرصاصة الأولى والأسباب والأجواء التي سبقت اندلاع هذه الحرب، التي سرعان ما انتشرت شرارتها لتعم بعد عام من اندلاعها 70 في المئة من مناطق البلاد، وتؤدي إلى مقتل نحو 15 ألفا وتشريد 10 ملايين من بيوتهم، وتحدث دمارا هائلا في كافة قطاعات الحياة.
كلام ما قبل الحرب
مع انشغال السودانيين بالتداعيات الكارثية الناجمة عن الحرب، قال الكباشي، مخاطبا مجموعة من الجنود في شرق البلاد، الأسبوع الماضي: “الحرب أولها كلام وهي لا تبدأ بالرصاص فقط”. فما الكلام الذي كان يعنيه كباشي؟
- Advertisement -
العالم نيوزموقع “سكاي نيوز عربية” أكثر من 10 مقاطع فيديو لأحاديث أدلى بها مؤيدون ومعارضون للاتفاق الذي كانت تجري الاستعدادات للتوقيع عليه في نفس يوم اندلاع الحرب، وهو اتفاق كان ينص على نقل السلطة للمدنيين وخروج الجيش والدعم السريع عن العملية السياسية ودمجهما سويا في جيش مهني واحد يضم قوات الحركات المسلحة بعد عملية دمج وتسريح تتم وفقا لمعايير الأمم المتحدة وإطلاق عملية سياسية واسعة تستثني حزب المؤتمر الوطني – الجناح السياسي للإخوان، والذي أطاحت به ثورة شعبية في الحادي عشر من أبريل 2019، بعد أن حكم البلاد على مدى ثلاثين عاما، تخللتها عمليات فساد ضخمة وحالات قتل خارج إطار القانون طالت المئات وانتهاكات واسعة في الحروب، التي دارت في دارفور وكردفان والنيل الأزرق وأدت إلى قتل وتشريد الملايين ودفعت بالمحكمة الجنائية الدولية إلى إصدار مذكرة توقيف في حق رأس النظام عمر البشير وعدد من معاونيه.
ركز مؤيدو الاتفاق، خلال ندوات ومقابلات شارك فيها قياديون في تحالف قوى الحرية والتغيير، على مطالبة قائدي الجيش والدعم السريع بإعلاء المصلحة العليا وتجنيب البلاد المآلات التي يمكن أن تنجم عن الفشل في الوصول إلى اتفاق ينهي الأزمة.
أما في الجانب الآخر، فقد ركز الرافضون للاتفاق، معظمهم من عناصر تنظيم الإخوان، على التهديد بالحرب وتحريض قائد الجيش بعدم القبول به.
وقبل نحو أسبوع من اندلاع القتال، طالب القيادي في الإخوان، أنس عمر، عناصر التنظيم بالاستعداد والتجهيز لما وصفه بـ”الجهاد”، وقال “هذا الاتفاق لن يوقع إلا على جثثنا”، وهي ذات العبارة التي كررها قياديون آخرون في التنظيم، من بينهم الناجي عبدالله، الذي حرص في آخر مخاطبة له قبل الحرب على استدعاء “عبارات جهادية” صريحة.
- Advertisement -
اعترافات ودلائل صريحة
أبرز دليل على تورط تنظيم الإخوان في إشعال الحرب جاء على لسان محمد علي الجزولي المعروف بولائه لتنظيم داعش، حيث قال في مقطع فيديو: “كنا ننسق مع قادة الجيش وتم تنويرنا بأن ساعة الصفر ستكون يوم السبت الخامس عشر من أبريل وبالفعل ذهبت مجموعة من كتائب الإخوان بقيادة أنس عمر ومعهم قوات من الجيش إلى منطقة المدينة الرياضية عند السادسة والنصف صباحا وأطلقت الرصاصة الأولى وهاجمت قوات الدعم السريع”.
أما الدليل الثاني فقد جاء على لسان مصطفى عثمان، وهو ضابط برتبة عقيد في الجيش السوداني، حيث اتهم بشكل واضح عناصر النظام السابق “الإخوان” بإشعال الحرب واستخدام الجيش كغطاء لها، وقال في مقطع فيديو انتشر بشكل واسع: “منذ بداية الحرب، لم أكن مقتنعا بها وذلك لسببين، أولهما لم تكن هنالك خطة موزعة بدليل أن معظم الضباط لم يكونوا على علم بها بما في ذلك المفتش العام، أما السبب الثاني فيتمثل في أن القوة التي تحركت من منطقة الباقير إلى المدينة الرياضية وأطلقت الطلقة الأولى لم تتحرك بخطة واضحة ودون حماية أو إسناد”.
- Advertisement -
وعزز جندي برتبة عريف يدعى عثمان محمد عبدالله رواية الضابط مصطفى عثمان، حيث أقر في مقطع فيديو أيضا بأنه قد تم تحريكه مع مجموعة من الجنود إلى معسكر الدعم السريع في المدينة الرياضية لضربه، وأشار إلى وضعهم في حالة استعداد قبل شهرين من موعد الضربة التي لم يعلموا بها إلا في صبيحة يوم التحرك.
من المستفيد؟
يرى الكثير من المراقبين أن الحرب الحالية هي جزء من مخطط ظل ينتهجه تنظيم الإخوان للعودة إلى السلطة من خلال الاستفادة من فوضى الحرب في خلق بيئة مواتية تسمح بتصفية الخصوم، خصوصا المجموعات التي قادت الثورة التي أنهت ثلاثة عقود من حكمهم.
ويشيرون إلى تحول من استراتيجية الانقلابات المباشرة التي حملتهم إلى القصر إلى استراتيجية “صناعة الصدام” بين القوتين العسكريتين في البلاد من أجل خلق الفوضى واستغلاها للعودة إلى السلطة.
ووفقا للمحلل السياسي مرتضى الغالي، فإن “ما يدور حاليا هو حرب أشعلها الإخوان من أجل العودة إلى السلطة ونشر الموت والخراب”.
وترى الكاتبة الصحفية رشا عوض أنه ليست هنالك مصلحة للشعب السوداني في الحرب الجارية، وتوضح “هذه الحرب حية ماديا بالقتل والدمار والخراب الشامل وعذاب الأبرياء، ولكنها ميتة معنويا بمعنى غياب القيمة الوطنية والمعنى الأخلاقي”.