فقد كشفت بلومبرغ أن شركة أبل وصلت إلى مفترق طرق هذا الأسبوع، عندما أبلغت موظفيها بأنها ستنهي مشروع السيارات الكهربائية الخاص بها، حيث قام الرئيس التنفيذي للعمليات في الشركة جيف ويليامز، ورئيس المشروع كيفن لينش، بإبلاغ فريق العمل، المكلف بتطوير السيارة بهذا القرار، خلال اجتماع استمر لأقل من 15 دقيقة.
ويعني هذا القرار أن وجود منتجات شركة أبل على الطرقات، سيظل مقتصراً على نظام CarPlay، المتوفر في بعض السيارات الحديثة، لتقوم صانعة الآيفون بالتركيز على اللحاق بالمنافسين في صناعة الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدلاً من تطوير سيارات كهربائية.
- Advertisement -
مشروع مضطرب منذ البداية
وبحسب تقرير بلومبرغ فقد قامت أبل بإعادة تعيين بعض العاملين في مشروع تطوير السيارة الكهربائية، الذين يبلغ عددهم 2000 موظف، للعمل في مجال الذكاء الاصطناعي، في حين سيتعين على الآخرين التقدم لشغل وظائف أخرى داخل الشركة، أو الانتقال للعمل خارجها.
وكان مشروع أبل لدخول مجال صناعة السيارات الكهربائية، مشروعاً مضطرباً منذ بدايته، فعلى مدى عقد من الزمن، حاولت الشركة بناء نظام ذكاء اصطناعي قوي وموفر للطاقة، بما يكفي لجعل السيارة مستقلة بالكامل، إلا أنها لم تنجح بذلك بسبب افتقارها إلى رؤية واضحة بهذا الشأن.
وبدأت الشركة العمل على تطوير سيارة كهربائية ذاتية القيادة منذ عام 2014 تقريباً، ما جعلها تنفق مليارات الدولارات على البحث والتطوير في هذا المشروع، الذي خضع لعدة جولات من إعادة الهيكلة على مدار السنين.
تنافس على 10 في المئة من المشترين
- Advertisement -
ورغم أن خروج أبل المفاجئ من مشروع السيارات الكهربائية، هو قرار سيء بالنسبة للكثيرين من محبي العلامة التجارية الأميركية، إلا أنه ليس كذلك بالنسبة للمستثمرين والمحللين، الذي يعتقدون أن هذه الخطوة تتيح لعملاقة التكنولوجيا تجنب سوق السيارات الكهربائية، الذي أصبح أكثر خطورة في الأشهر الأخيرة، حيث قال أنوراغ رانا وأندرو جيرار، المحللان في بلومبرغ إنتليجنس، إن تحويل أبل مواردها نحو الذكاء الاصطناعي التوليدي، هو القرار الصحيح بالنظر إلى إمكانات الربحية طويلة المدى، لهذه التكنولوجيا مقابل السيارات.
فمع السيارات الكهربائية، كانت هوامش الربح لتكون ضئيلة، رغم الإيرادات الهائلة لهذه الصناعة، فسوق السيارات الكهربائية باتت سوقاً مزدحمة وغير مؤكدة، إذ أنه وفقاً لتوقعات بلومبرغ إنتليجنس، سترتفع مبيعات المركبات الكهربائية بنسبة 9 بالمئة فقط في 2024، بعد نموها بمعدل سنوي مركب قدره 65 بالمئة، على مدى السنوات الثلاث الماضية، ما يعني أن كل شركة قائمة ستتنافس على نحو 10 بالمئة من المشترين الجدد في السوق الأميركية.
صناعة معقدة
- Advertisement -
وقال جيف شوستر، نائب الرئيس العالمي لأبحاث السيارات في شركة GlobalData الاستشارية، إن ما حصل مع أبل مثال آخر على استهانة قطاع التكنولوجيا بمدى صعوبة العمل في قطاع السيارات، فالجميع يعتقد أن الدخول إلى هذه الصناعة سهل، ليجدوا أنه أكثر تعقيداً مما كانوا يتوقعون.
وتواجه الشركات الناشئة في مجال السيارات الكهربائية، صعوبات بالفعل وسط مبيعات هزيلة، حيث توقعت شركة ريفيان للسيارات، ثبات إنتاجها هذا العام، وقالت إنها ستسرح بعض العمال، كما ستقوم مجموعة لوسيد بتصنيع 9 آلاف سيارة فقط خلال 2024، مما يضعها في وضع مالي أضعف، في حين كشفت شركة Hertz Global لتأجير السيارات الشهر الماضي، عن خططها للتخلص من أسطول مؤلف من 20 ألف سيارة تعمل بالكهرباء في الولايات المتحدة، وذلك بسبب ضعف الطلب على هذه السيارات، والانخفاض السريع في قيمتها، وارتفاع تكاليف إصلاحها.
في هذا الوقت تواجه جنرال موتورز صعوبة في تصميم السيارات الكهربائية، بسبب مشاكل الإنتاج، ما دفعها لتأخير خططها، لافتتاح مصنع لإنتاج بيك أب كهربائي خارج ديترويت، في حين تراجعت شركة مرسيدس بنز الألمانية، عن خطتها للتحول كلياً إلى السيارات الكهربائية بحلول عام 2030.
أسباب تخلي أبل عن سيارتها
ويقول محلل شؤون تطوير الأعمال والأمن السيبراني زياد عيتاني، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن هناك عدة أسباب جعلت من الصعب على أبل، استكمال طريقها في عالم السيارات الكهربائية، منها احتدام المنافسة، ووجود شركات راسخة، مثل تسلا وأُخرى عريقة كمجموعة فولكس فاغن الألمانية، إضافة إلى الشركات الناشئة الصينية والفيتنامية، مشيراً إلى أن المنافسة كبيرة جداً، في سوق تعاني من كثرة المنتجين، وقلة المستهلكين، فحتى اللحظة يُعتبر هذا النوع من السيارات، ثانوياً بالنسبة للمستهلكين، فالسيارة الكهربائية عادة ما تكون السيارة الثانية، وليست الأساسية، وهي أكثر تبنياً من قبل الطبقة الغنية.
ويشرح عيتاني أن التعقيدات في عالم السيارات الكهربائية، لا ترتبط فقط بالموارد أو بالهندسة المعقدة للسيارة وبرمجياتها، إذ هناك مشاكل تتعلق أيضاً في البنية التحتية لهذه السيارات في كثير من الدول، فهذه المركبات تحتاج إلى خدمات الاتصال بالأقمار الصناعية، وسرعة في الإنترنت، ومحطات شحن كهربائية، ومواقف خاصة، كما أن السوق تفتقر إلى أخصائيين، لإصلاح الأعطال التي قد تعاني منها السيارات الكهربائية، إضافة إلى عنصر ارتفاع تكاليف الإصلاح بالنسبة للمالك.
وبحسب عيتاني فإن أبل باتت تعلم أنها دخلت في مجال ليست رائدة فيه، وهي كانت بحاجة لتقديم إجابات واضحة أمام المستثمرين عن هذا المشروع، ولذلك رأت أنه بدلاً من تمويل مشروع، يحتاج إلى سنوات لإعادة التكلفة المستثمرة، فإنه من الأولى عليها، منافسة أقرانها مثل غوغل ومايكرسوفت في مجال تطوير الذكاء الاصطناعي، وهذا المشروع سيعطي ربحية أعلى، كما أنه أسهل عليها، كونها تمتلك الخُبرات في هذا المجال، فمن المعروف أن أبل شركة رائدة في البرمجيات.
الأطراف المستفيدة من خروج أبل
ويرى عيتاني أنه بعدم استكمال أبل لمشروع تطوير سيارة كهربائية، تكون صانعة الآيفون قد تركت الساحة الأميركية، لشركات كانت ستنافسها بحصص في السوق مثل تسلا وريفيان، إضافة إلى الشركات التقليدية والناشئة الآتية من خلف البحار، فجميع هؤلاء، يعتبرون أنهم بقرار أبل الجديد يكونوا قد تخلصوا من منافس محتمل في سوق السيارات الكهربائية، معتبراً أن خروجها من عالم السيارات الكهربائية، كان متوقعاً بسبب التأجيل المستمر للإعلان عن المشروع، والغموض وتضارب المعلومات بشأن ما يحصل خلف الكواليس.
ويؤكد عيتاني أن عدم استكمال أبل طريقها في عالم السيارات الكهربائية، لا يعني بالضرورة أن مستقبل هذه الصناعة قاتم، فنهضة السيارات الكهربائية والنمو الكبير الذي حققته، كان بسبب عدة عوامل، منها المخاوف البيئية، والتقدم التكنولوجي، خصوصاً في مجال الرفاهية، كالقيادة الذاتية وأيضاً الحوافز الحكومية التي كانت داعمة لهذا النوع من السيارات، لافتاً إلى أن جميع هذه العوامل لا تزال متوفرة حالياً.
من جهته يقول المطور التكنولوجي، جو زغبي، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن جميع الأحلام، برؤية سيارة كهربائية ذكية من صنع أبل قد تلاشت هذا الأسبوع، فهذه السيارة التي تم الترويج لها منذ فترة طويلة، باعتبارها واحدة من “الأشياء الكبيرة التالية” لشركة أبل، تم دفنها قبل أن ترى النور، معتبراً أن مشروع السيارة الملغى، يعني أن رهانات الذكاء الاصطناعي بالنسبة لأبل أصبحت أكثر إلحاحاً، حيث كانت السيارة بمثابة مصدر إلهاء، لم يعد من الممكن لأبل تبريره، في وقت يُنظر فيه إلى الشركة على أنها متخلفة في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي، مقارنة بغوغل ومايكروسوفت.
سبب التحّول إلى الذكاء الاصطناعي
ويرى زغبي أن هذا التحول في الأهداف، يتيح لأبل التركيز على جني معظم أموالها من الأجهزة، مثل آيفون وسماعات الرأس ونظارات Vision Pro، وذلك بعد دمج إمكانات الذكاء الاصطناعي بها، مشيراً إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي، يمكن أن يجني أموالاً طائلة لشركة أبل على المدى القريب، بعكس السيارات الكهربائية التي تحتاج إلى تمويل هائل، وتواجه صعوبات على صعيد عملية التصنيع، وهو الأمر الذي كان يثير الرعب في أذهان الرئيس التنفيذي لأبل تيم كوك.
وكشف زغبي أن أبل تخطط للكشف عن بعض مشاريعها الجديدة في الذكاء الاصطناعي التوليدي، خلال مؤتمرها للمطورين المتوقع انعقاده في شهر يونيو 2024، فالشركة الأميركية لا تحتاج للكثير من الوقت، لإطلاق قطار الذكاء الاصطناعي الخاص بها، فهي تمتلك خبرة كبيرة جداً في مجال الأنظمة التشغيلية، كما أنها تمتلك الكثير من الأدوات، لتطوير البرامج والميزات التي تدعم هذه التكنولوجيا، وهذا ما سيتيح لها تعزيز هوامش الربح التي تتمتع بها أجهزتها بشكل فوري.